الثلاثاء، 20 أبريل 2010

أسرة الحكم والخصخصة

لنبدأ بحقيقة يعرفها الجميع تقريباً، وهي أن مشروع قانون الخصخصة ظل حبيس الأدراج لسنوات طويلة، ولم تبدِ الحكومات التي تعاقبت طوال تلك الفترة أي رغبة حقيقية في دعم هذا المشروع، وقد ظلت بعض الصحف المحلية لسنوات عديدة تهاجم بعنف أصحاب القرار في الحكومات المتتالية لتقاعسهم في تبني مشروع قانون الخصخصة. بطبيعة الحال، لم يكن التقاعس الحكومي في دعم المشروع قراراً اعتباطياً، بل كان على العكس من ذلك قراراً مدورساً بدقة، فالأسرة الحاكمة تدرك جيدا أن انتقال الملكية يعني انتقال السلطة، مما يدفعنا إلى أن نتساءل: ما الذي تغيّر كي تقف الحكومة الآن بقوة مع قانون الخصخصة؟
هناك بطبيعة الحال ما يسمى بـ'خطة التنمية' ذات الأرقام الفلكية، ومن الطبيعي أن تلجأ الحكومة إلى الخصخصة إن هي أرادت نجاح الخطة حسب زعم بعض مؤيدي توجهات الحكومة الحالية، لكن هذه الحجة لا تقدم جوابا عن السؤال المطروح، بل إنها تجعل السؤال ذاته أكثر إلحاحا: ما الذي يدفع الأسرة الحاكمة إلى الوقوف مع خطة اقتصادية تتضمن تنازلاً عن جزء كبير من سلطتها السياسية؟
أقصر طريق للإجابة هو أن نفحص حقيقة ما يتضمنه السؤال نفسه، فالقول بأن انتقال الملكية يعني انتقال السلطة قول صحيح، نظرياً على الأقل، لكن هل في دعم الأسرة الحاكمة لمشروع الخصخصة تهديد فعلي لسلطتها السياسية، خصوصا إذا علمنا أن هناك من بين أبناء الأسرة ممن ينتمون إلى نادي كبار التجار ورجال الأعمال؟ في ظل تغاضي الأسرة الحاكمة عن الخط التاريخي الفاصل بين الحكم والتجارة في الكويت، لا تبدو مشاريع الخصخصة مخيفة بالنسبة لأسرة الحكم.
لكن هذه الإجابة لا تبدو كافية لسببين على الأقل: الأول، هو أن عدم احترام الفصل بين الحكم والتجارة يرجع تاريخه إلى سنوات طويلة، لذا فهو لا يفسر التغير الطارئ في سياسة الأسرة الحاكمة تجاه موضوع الخصخصة. أما السبب الثاني فيشير إلى حقيقة بديهية، وهي أن شريحة التجار لا تقتصر فقط على بعض أبناء الأسرة الحاكمة، مما يعني أن الخصخصة تؤدي، على الأقل، إلى تقاسم للسلطة السياسية بين أسرة الحكم وطبقة تجارية محدودة العدد.
هذا يدفعنا إلى إعادة صياغة السؤال المطروح على النحو التالي: ما الذي تغيّر كي تلجأ الأسرة الحاكمة إلى خيار التقاسم الفعلي للسلطة مع شريحة تجارية محدودة؟ العلاقة بين أسرة الحكم والتجّار علاقة اتسمت بمد وجزر منذ نشأتها، لكنها بدأت في ظل العهد الجديد تتخذ طابعاً فريداً من الثقة المتبادلة، ولعل الحسنة الوحيدة لزيارة وفد ما يسمى بـ'مجموعة 26' إلى سمو الأمير هي أنها أتاحت لنا، على الأقل، تحديد الجهة التي تشير إليها بوصلة القصر، خصوصاً مع التصريحات التي أعقبت تلك الزيارة، والتي أشارت بشكل واضح إلى رفض موضوع القروض وتأييد المشاريع الاقتصادية الكبرى.
سبق أن أشرت في مقال سابق أن الأسرة الحاكمة نجحت طوال العقود الماضية في استغلال موارد النفط في ضم شرائح المجتمع كافة تحت عباءة إرادتها السياسية، لكن يبدو أن تنامي شوكة ما يسمى بـ'المعارضة الجديدة' أدى إلى إعادة النظر في جدوى هذه الاستراتيجية، خصوصا مع اضمحلال 'دولة الرفاه' الذي أدى بدوره إلى ارتفاع حدة الشعارات المطالبة بتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية.
تسويق مشروع قانون الخصخصة يأتي عادة بوصفه منظومة متكاملة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل ورفع مستوى الكفاءة وتحسين الجودة، ويبدو أن القطاع الخاص نجح في إقناع الرأي العام بأن الخصخصة لم تعد مجرد خيار مطروح بل ضرورة حتمية! في دراسة حديثة نسبيا لتجربة الخصخصة في بريطانيا منذ ثمانينيات القرن الماضي، كان الاستنتاج الوحيد الذي توصلت إليه الدراسة هو أن أغلب محاسن الخصخصة التي تم الإعلان عنها قبل التخصيص لم تتحقق على أرض الواقع، بينما جاءت مضار الخصخصة واضحة لا لبس فيها، أهمها هو اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء (انظر The Impact of Privatisation، لندن، 1997).
أخيراً، لست أرى في وقوف الأسرة الحاكمة مع مشروع الخصخصة سوى تعبير عن خيار استراتيجي في إعادة تشكيل خارطة التحالفات القديمة، ولست أرى في الاكتساح الساحق للمشروع في مداولته الأولى سوى بداية انتقال فعلي للسلطة من نوّاب البرلمان إلى رجال الأعمال، لكن حتى هذه النقطة لست متأكداً تماماً منها، لأن أغلب نواب البرلمان يمكن تصنيفهم ضمن رجال الأعمال! الشيء المؤكد هو أن الخصخصة ستقضي تدريجياً على ما تبقى من النظام شبه الديمقراطي في الكويت.