الاثنين، 14 يناير 2013

معركة اليوم ومعارك الغد


معركة اليوم هي معركة مباشرة مع السلطة، فالمواطن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون موالياً للسلطة، وإما أن يكون معارضاً لها. هذه ليست ثنائية مزيّفة، فليس هناك خيار وسط بين الموت والحياة، بين الذل والكرامة، بين القبول والرفض.  
عندما تنفرد السلطة بالقرار السياسي، وتقمع الناس وتحط من كرامتهم، وتعتقل المتظاهرين وتروّع الآمنين، فإنّ الهمس كحلّ وسط بين الكلام والصمت لن يكون مقبولاً، على الأقل من الناحية الأخلاقية، فإما أن تصدح بالحق محتجاً على انتهاك كرامة الناس والحط من قدرهم، وإما أن تلوذ بالصمت وتتوارى خجلاً!
لم يعد من المجدي أن تقول: "أنا أرفض نهج السلطة، ولكن...."، فكل ما يأتي بعد هذا الاستدراك ينتمي إلى معارك الغد، لا إلى معركة اليوم، ذلك أن التفرغ للمد الرجعي المتمثل بالنزعات الطائفية والقبلية، والتصدي للإسلام السياسي المتمثل بالحركات والتجمعات الدينية، ومقاومة الرأسمالية المتوحشة المتمثلة بحفنة من البؤر التجارية، كل هذه الأمور من نتاج السلطة، وكلها معارك مستحقة، لكنها معارك مؤجلة، فاليوم لا بد من تضافر الجهود لإرساء نظام ديمقراطي حقيقي يشكل إطاراً لمعارك قادمة.
هناك تخاذل غير مقبول تجاه ما يجري، فالتجار مشغولون في تجارتهم، والمثقفون مشغولون في "إبداعاتهم"، والموظفون مشغولون في رواتبهم، والرياضيون مشغولون في انتصاراتهم، بل إن شريحة كبيرة من الناشطين السياسيين مشغولون في إبراز بطولاتهم الزائفة على حساب تضحيات السواد الأعظم من الشباب الكويتي، وهم بذلك يتناسون أن معركة اليوم تتطلب نكران الذات أكثر من شيء آخر!
قد تنجح السلطة في إجبار العبيد على الاعتقاد بأنهم أحرار، فتتظاهر باحترام الدستور، وتخلق مجلساً صوريا، وتحتضن إعلاماً مزيفاً، لكن العبيد يبقون عبيداً مع ذلك، حتى لو خالوا أنفسهم أحراراً، فالحرية ليست منحة الحاكم للمحكوم، بل ديْن للمحكوم على الحاكم، ومعركة اليوم هي معركة استرجاع الديْن، فما أضيق العيش في وطن لا حرية فيه، وما أتعسنا إذا لم ننتصر لحرية هذا الوطن وكرامته.

الأربعاء، 9 يناير 2013

السلطة والمسؤولية

كيف صاغ الإسبان العلاقة بين السلطة والمسؤولية بطريقة تضمن تمتع الشعب الإسباني بنور الديمقراطية؟ الجواب عن هذا السؤال نجده في المادة 64 من الدستور الإسباني، فهي تنص على أنّ كل صلاحيات الملك المقرّرة في الدستور لا تكون نافذة ولها قوّة القانون إلاّ بعد مصادقة رئيس الحكومة عليها.


العلاقة بين السلطة والمسؤولية علاقة شرطية مزدوجة، فلا سلطة من دون مسؤولية، ولا مسؤولية من دون سلطة. لا إنسان مسؤول عن كسوف الشمس، لأنّه لا إنسان يملك السلطة في التحكّم بهذه الظاهرة الطبيعية، وبالمثل، لا إنسان ينبغي أن يحكم إذا لم يُساءل عن أفعاله، لأنّ عدم المساءلة تجعل من الحُكم حُكما دكتاتوريّا.
في الدستور الإسباني، الفقرة 1 من المادة 56 تمنح الملك أعلى سلطة سياسية، والفقرة 3 من المادة ذاتها تعفي الملك من أيّ مسؤولية، فالأولى تنصّ على أنّ الملك هو رئيس الدولة ورمز وحدتها وديمومتها، والأخرى تنصّ على أنّ ذات الملك لا تمسّ، كما لا ينبغي مساءلته عن أفعاله! هل هذا يعني أنّ النظام في إسبانيا نظام دكتاتوري؟ إطلاقاً، فمن المعروف أنّ إسبانيا تتمتع بنظام ديمقراطي منذ عقود من الزمن، لذا فإنّ السؤال الذي ينبغي أن يطرح هنا هو التالي: كيف تحايل الإسبان على العلاقة بين السلطة والمسؤولية بطريقة تضمن تلافي الوقوع في ظلام الدكتاتورية؟
ربّما اعتقد القارئ أنّ لقب "رئيس الدولة" لا يمنح الملك سلطة حقيقية بالضرورة، بل مجرد سلطة شكلية! لست أختلف مع القارئ في أن سلطة الملك الإسباني شكلية إلى حدّ ما، لكن هذه السلطة الشكلية ليس مردّها إلى لقب الملك، فالدستور الإسباني يمنح الملك– حسب المادتين 62 و 63- سلطات حقيقية، منها على سبيل المثال، إصدار المراسيم، وحلّ كلّ من الحكومة والبرلمان، وإعلان الحرب، وغيرها من الصلاحيات الواسعة، لذا فإن السؤال الذي طرحناه مازال قائما: كيف صاغ الإسبان العلاقة بين السلطة والمسؤولية بطريقة تضمن تمتع الشعب الإسباني بنور الديمقراطية؟
الجواب عن هذا السؤال نجده في المادة 64 من الدستور الإسباني، فهي تنص على أنّ كل صلاحيات الملك المقرّرة في الدستور لا تكون نافذة ولها قوّة القانون إلاّ بعد مصادقة رئيس الحكومة عليها، والحكومة في إسبانيا– كما نعلم جميعا- حكومة برلمانية منتخبة، مما يعني أنّ سلطة الشعب فوق سلطة الملك، فالدستور الإسباني يستلزم مصادقة الحكومة المنتخبة على صلاحيات الملك، بينما لا يستلزم مصادقة الملك على صلاحيات الحكومة، لذا فإنّ من حقّ الإسبان أن يفتخروا قائلين إنّ الشعب مصدر السلطات جميعا، وهو كذلك فعلاً!

الاثنين، 7 يناير 2013

وتستمرّ المسيرات المباركة

استخدام القوة عند الضرورة القصوى حق أصيل للسلطة، والتدرج في استخدام القوة من أبسط الواجبات الملقاة على عاتق السلطة، لكن التعسف في استخدام القوة ينزع عن أي سلطة شرعيتها! المسيرة السلمية لا تنتظر قانونا يُجيزها، بل قانون يحميها، فلا أحد يملك الحق في منع الناس من التعبير عن احتجاجهم على الانتكاس الذي تشهده الكويت في مسيرتها شبه الديمقراطية.


المشاركة في مسيرة احتجاجية تجربة فريدة من نوعها. إنّك تسير إلى جانب أشخاص لا تعرفهم، لكنك لا تلبث أن تألفهم، أشخاص مختلفون في أعمارهم وأصولهم وأفكارهم ومذاهبهم، مختلفون في كل شيء عدا السبب الذي دفعهم إلى المسير جنبا إلى جنب، يهتفون بشعار الكرامة، وينشدون لحن الحرية، ويستقبلون هراوات رجال السلطة بأجسادهم العارية! حتى أولئك الذين انضموا إلى المسيرة عن طريق الخطأ، أو المصادفة، أو لمجرد الفضول، لا يمكنهم إخفاء ذلك الشعور اللذيذ بالنشوة، نشوة ذوبان الفرد في تلك الجموع البشرية، كقطرة ماء تتلاشى في بحر هائج!
أعرف شخصا شديد الكبرياء، مغرقاً في الاعتداد بنفسه، موغلاً في عزلته الفكرية، شعاره في الحياة هو: "كلّما تزاحم الناس على شيء، عافته نفسي"، ورغم ذلك، شاهدته بأم عينيّ في إحدى المسيرات يهتف بأعلى صوته منادياً بحكومة شعبية!
بل إنّ هناك جيلا من الآباء والأجداد، ولاؤهم للسلطة بالفطرة، ونصيحتهم لأبنائهم كانت دوما "الشيوخ أبخص"، ثم تدور الأيام وإذا بهم يشاركون الشباب مسيراتهم، يؤازرونهم حيث تجب المؤازرة، ويواسونهم حيث تجب المواساة!
لن تفهم السلطة هذه التحوّلات الكبيرة في المزاج السياسي-الاجتماعي، ذلك أنّ السلطة التي لا تجد غضاضة في تعطيل حركة سير المرور لتأمين سلامة موكب وزير، ثم تتعذر في الوقت نفسه بتعطيل حركة السير عندما يتعلق الأمر بكرامة وطن، أقول إن مثل هذه السلطة لا يمكن لرجالها أن يفهموا ما يدور حولهم من تحولات خطيرة، وكأني بأحدهم الآن يجلس في أحد القصور المطلة على البحر، متسائلا: "لماذا لا يأكلون الكعك"؟!
استخدام القوة عند الضرورة القصوى حق أصيل للسلطة، والتدرج في استخدام القوة من أبسط الواجبات الملقاة على عاتق السلطة، لكن التعسف في استخدام القوة ينزع عن أي سلطة شرعيتها! المسيرة السلمية لا تنتظر قانونا يُجيزها، بل قانون يحميها، فلا أحد يملك الحق في منع الناس من التعبير عن احتجاجهم على الانتكاس الذي تشهده الكويت في مسيرتها شبه الديمقراطية. هذه ليست دعوة إلى الفوضوية، بل درء للدكتاتورية.
أكتب هذا المقال ولا أدري أيّ مصير ينتظر مسيرة "كرامة وطن 5"، ولكن في يقيني أنها ستكون مثل كل المسيرات السابقة، تبدأ بأمل، وتنتهي بخيبة أمل، لكن سرعان ما يتجدد الأمل لتنطلق بعدها المسيرة السادسة، والسابعة... والألف، إلى أن تدرك السلطة أن هذا الشعب حيّ لا يموت، منيع لا يتصدّع، عنيد لا يُساوَم، حرّ لا يُستعبَد، أبيّ لا يقبل الذل والمهانة.