الأربعاء، 24 يوليو 2013

لا لحكم الإخوان

يرفع المؤيدون للرئيس السابق محمد مرسي شعار "لا لحكم العسكر"، ولا خلاف مع هذا الشعار إلاّ عندما يكون المراد منه أنّ البديل الوحيد لحكم الإخوان في مصر هو حكم العسكر، وهذه ثنائية مزيّفة سبق أن استخدمها الرئيس الأسبق "محمد حسني مبارك"- لكن بطريقة معكوسة- لتبرير بقائه في السلطة، فمنذ زمن قريب كنّا نسمع أنّ البديل الوحيد لحكم العسكر في مصر هو حكم الإخوان!  إن العامل المشترك بين هاتين النظرتين الشموليتين، أي بين "إخوان مرسي" و"عسكر مبارك"، هو تجاهل وجود خيارات أخرى، لعلّ أهمها هو الخيار الديمقراطي المبنيّ على احترام دستور مدنيّ يحمي الجميع من دكتاتورية الأقلية ودكتاتورية الأغلبية.  
ينبغي ألاّ تشغلنا شرعية الصندوق عن الغرض من وجود صندوق أصلاً. بمعنى آخر أكثر تحديداً، ينبغي ألاّ يشغلنا الاهتمام بمعرفة هوية من يحكم عن الغرض من وجود حكم بالأساس. إنّ الديمقراطية– كما قلنا مراراً وتكراراً– معنيّة فقط بتحديد هوية من يحكم، لهذا فإنّ من شأن الديمقراطية أحيانا أن تجيء بدكتاتور على رأس السلطة، بل إنّ من شأنها أيضاً أن تستبدل دكتاتوراً بدكتاتور آخر، أي مجرّد نقل لعبء استعباد الشعب من كاهل دكتاتور إلى كاهل دكتاتور آخر!
لكن ما الغرض من وجود حكم بالأساس؟ الحكم المشروع هو سلطة يمنحها الشعب لبعض أفراده بغرض تحقيق التعايش السلمي والعادل بين أفراد الشعب كافة، ولا ينبغي لمن بيده السلطة المشروعة أن يحوّلها إلى سلطة غير مشروعة من خلال استخدامها في أغراض تتجاوز هذا الغرض الأساسي، لأن كل سلطة هي حدّ من حرية الإنسان، ولهذا السبب ينبغي تبريرها دائما.
لكن مشكلة التيارات الشمولية هي ذهابها إلى أبعد من مجرّد التعايش السلمي والعادل بين أفراد المجتمع الواحد، فهي تبشّر دوما بخارطة طريق لخلاص الشعب، فحكم الرهبان بشّر بخلاص الروح، وحكم النازية بشّر بسيادة العرق الأسمى، وحكم الشيوعية بشّر بانتصار الاشتراكية، لتأتي بعدها النتائج كارثيّة بكل المقاييس وتحصد البشرية محاكم التفتيش ومعسكرات الاعتقال وسجون التطهير الستاليني.
هل يختلف إخوان مصر، أو أي تيار إسلامي جدير بهذا الاسم،  عن تلك التيارات الشمولية؟ ماذا يعني أنّ تسنّ قانونا يهدف إلى زيادة احتمال دخول المواطنين إلى الجنّة بينما الهدف الأساسي من وجود قانون هو أن يتعايش المواطنون بسلام على هذه الأرض؟ ألا يعني ذلك أن للإسلاميين خارطة طريق تهدف إلى أبعد من الغرض الأساسي من وجود قانون أصلا؟
الخارج على القانون في الأنظمة الديمقراطية الحرّة هو فرد يهدّد مبدأ التعايش مع الآخرين، لكن الخارج على القانون في الأنظمة الشمولية المستعبدة هو فرد يهدّد خارطة طريق الخلاص، فهو إمّا أن يكون ضد تعاليم المسيح، أو ضد الشيوعية، أو ضدّ الإسلام! في المجتمعات المدنية، الإنسان النزيه لا يسرق بغض النظر عن وجود قانون يجرّم السرقة، ذلك أنّ النزاهة جزء من تكوين شخصيته، لكن في المجتمعات الدينية هذا لا يكفي، فلا بدّ أن تقترن فضيلة النزاهة بنيّة خالصة لبلوغ طريق الخلاص!
يسخر الإسلاميون عادة من القوانين الوضعية، وهذه السخرية تكشف أكثر ما تكشف عن اعتقادهم أنّ البديل المتمثّل بالقوانين الإلهية هو السبيل الوحيد لنجاح خارطة الطريق التي يريدون فرضها على مجتمعاتهم، لكن ما فات على التيارات الإسلامية هو بالضبط ما فات على غيرهم من التيارات الشمولية على مرّ التاريخ، وهو أنّ العقلانية هي السبيل الأكثر نجاحا لبناء مجتمع عادل ومسالم، فالمنهج العقلاني في فهم المجتمع واكتشاف قوانينه هو الأقرب إلى روح المنهج العلمي في فهم الطبيعة واكتشاف قوانينها، فكلا المنهجين يعتمد طريقة المحاولة والخطأ، من دون ادعاء معرفة الحقيقة المطلقة، كما أنّ العقلانية لا تتبجّح برسم خارطة طريق طوباوية للمجتمعات البشرية، بل هي تعمد إلى التواضع العقلي الذي يقرّ بأننا لا نعرف مصير آمالنا في المستقبل، لكننا على الأقل نعرف مصير إخفاقاتنا في الماضي، ومن خلال إخفاقات الماضي نتعلّم الوصول شيئا فشيئا إلى آمال المستقبل.
أخيرا، هناك دعوات متكرّرة  لإخوان مصر إلى الانضمام إلى العملية السياسية بطريقة سلميّة وعادلة، مع عدم الرجوع مجدّدا إلى احتكار السلطة وتقسيم المصريين إلى كفّار ومسلمين، لكن في يقيني أننا لو افترضنا قبول إخوان مصر هذه الدعوة على الوجه الصحيح، فلن يتبقّى لهم عندها من منهجهم سوى اسمهم، وإلى أن يحين ذلك اليوم، سنردّد من دون تردّد "لا لحكم الإخوان" في كل بقاع الأرض، لا لحكم يرسم خارطة طريق شعوب بأكملها، يقرّر لهم ماذا يأكلون وكيف ينامون وبماذا يفكرّون!


ملاحظة على هامش الانتخابات القادمة:

لقد بلغت فضائح شراء أصوات الناخبين في الكويت حدّاً كادت فيه مقاطعة الانتخابات أن تكون الدليل القاطع على حُسن سلوك المواطن الكويتي! أعلم أن هذه حجة غير مشروعة لحض المواطنين على مقاطعة الانتخابات غير الشرعية القادمة، لكن ما حيلتي عندما يصمّ من ينوي المشاركة أذنيه عن سماع الحجج الأخرى التي تخاطب ضميره وعقله معا؟ ألا يكفي حبس "سارة الدريس" وزملائها لمقاطعة الانتخابات؟!

الأحد، 14 يوليو 2013

حول العلاقة بين الحرية والقانون


هناك ما لا يقل عن 200 تعريف لمفهوم الحرية في ميدان النظرية السياسية، لكن لا بدّ لنا من أن نبدأ بتعريف محدّد لهذا المفهوم، ثم نتعرّف بعد ذلك على وجه القصور في هذا التعريف، وهذا هو المهم، ذلك أنّ التعريف، مثل النظرية العلمية، لا تكمن أهميته في مدى كماله، بل في مدى قصوره.
الحرية هي الحالة التي لا يجد فيها أيّ فرد من الأفراد أيّ عائق من العوائق لتحقيق أيّ هدف من الأهداف. لاحظ أنّ هذا التعريف يتضمن علاقة ثلاثية الأطراف: فرد، وعائق، وهدف. لاحظ أيضا أنّ المقصود بالحرية هنا هي حرية الإنسان، لا الحيوان، أيّ أنها حرية تطمح إلى أكثر من مجرّد التكاثر وحبّ البقاء، كما أنّ المقصود بالعائق هو العائق البشري الذي يضعه الإنسان أمام أخيه الإنسان، لا العائق الناتج عن قوانين الطبيعة، فعندما لا أستطيع أن ألمس السقف بيدي لقصر قامتي، فلن أستطيع عندها القول بأني لست حرّاً في ملامسة السقف. أخيرا، المقصود بالأهداف أيّ هدف يرغب الإنسان في تحقيقه بصرف النظر عن مدى مشروعيته.
لعلّ القارئ قد لاحظ أين يكمن القصور في التعريف السابق، فالقول بأنّ الفرد حرّ في تحقيق أيّ هدف من الأهداف بصرف النظر عن مشروعيته سيؤدي حتما إلى شريعة الغاب، حيث يأكل القوي الضعيف، لكن لاحظ أنّ هذا يعني أيضا أنّ القصور في التعريف ليس مطلقاً، فالإنسان الذي يقيم لوحده على ظهر جزيرة، كالشخصيات الخيالية المعروفة مثل "حيّ بن يقظان" أو "روبسنون كروز" أو حتى "طرزان"، يتمتع فعلا بحريّة مطلقة حسب التعريف الذي نحن بصدده، كما أنّ بإمكاننا تخيّل مجتمع يعيش أفراده بلا سلطة عليا على طريقة المذهب الفوضوي، بحيث يكون التعايش فيما بينهم متناغما ومنسجما بالرغم من عدم وجود قانون، وفي هذه الحالة أيضا يصبح التعريف السابق خالياً من أيّ قصور.
لكننّا، في نهاية المطاف، نعيش في مجتمع، كما أننا لسنا ملائكة، وهذا ما يجعل فكرة القانون نتيجة حتمية، فإذا أردنا أن نزيد من فرصة وجود تعايش سلمي فيما بيننا، فلا بدّ من إيجاد قانون يحكمنا جميعاً، وهنا تكمن العلاقة بين القانون والحرية، ذلك أنّ كلّ قانون هو في حقيقة الأمر انتقاص من حرية الفرد، أو من عدد الخيارات المتاحة أمامه، في سبيل ضمان التعايش السلمي والعادل بين الجميع.
لا تخضع كلّ أنواع الحريات إلى رقابة القانون، فعلى سبيل المثال، ليس بوسع أيّ قانون أن يحدّ من حرية التفكير، ذلك أنّ العقل مُلكيّة خاصة؛ بمعنى أنه ليس بوسع أيّ إنسان أن يعرف معرفة تامة ما يدور في عقل إنسان آخر، مما يجعل إخضاع حرية التفكير إلى القانون عملية مستحيلة، لكن حرية التفكير ليست ذات قيمة إذا لم تترجم إلى حرية تعبير، ولعلّ القارئ يتذكّر حكاية ذلك الإمبراطور المغرور الذي خرج عارياً أمام شعبه من دون أن يتجرّأ أحد على ترجمة فكرة "الإمبراطور لا يرتدي شيئا" إلى جملة "الإمبراطور لا يرتدي شيئا"، عدا ذلك الطفل الذي صاح بأعلى صوته مردّدا "الإمبراطور لا يرتدي شيئا" لينفجر الجميع في ضحك صاخب! إنّ ترجمة حريّة التفكير إلى حرية التعبير أمرٌ في غاية الأهمية بالنسبة إلى تطوّر المجتمع، فما قيمة الأفكار في تغيير الواقع إذا لم يتم تبادلها على أرض الواقع؟
إذا كانت حرية التفكير ذاتية، فإنّ حرية التعبير اجتماعية، وهذا ما يجعل هذه الأخيرة خاضعة إلى رقابة القانون. لولا وجود قيم إنسانية متنافرة لما برزت الحاجة إلى وضع قانون يحدّ من حرية التعبير، لكن حجم هذا القانون يعتمد على درجة التسامح السائدة بين أفراد المجتمع الواحد، فكلمّا اعتدتُ سماع ما لا أحبّ أن أسمعه منك، ازداد مقدار حريتك في أن تقول ما تودّ قوله لي، والعكس صحيح، لكن ما زال بيننا– مع الأسف– أفراد لا يتورعون عن سرعة الانتقال من جملة "هذا الشخص يقول كلاما لا يعجبني" إلى جملة "على الحكومة أن تمنع هذا الشخص من الكلام"!

الاثنين، 8 يوليو 2013

مصر بين شرعية الحاكم وشرعية الحُكم


 إذا كان لنا أن نلخّص ما جرى في مصر في جملة واحدة، فإننا نقول إنّ الشعب المصري العظيم فَرَض القانون بالقوة بعد أن حاول الرئيس المخلوع فَرْض القوة بالقانون. لقد ارتكب الرئيس السابق عدداً من الأخطاء القاتلة التي لم ينكر هو نفسه بعضاً منها، وهناك بطبيعة الحال من حاول مراراً وتكراراً إفشال تجربة الإخوان المسلمين في الحكم، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن الرئيس وأعضاء حزبه ساهموا بغباء منقطع النظير في تأجيج الشارع المصري، فمحاولة الرئيس وحزبه تغيير قواعد اللعبة السياسية من طرف واحد، والخطاب السياسي المفتقر إلى أدنى درجات الحصافة السياسية، وتأجيج النعرات الطائفية والدعوات التكفيرية، وعدم الاكتراث باحتواء الأطياف السياسية المعارضة، كلها أخطاء لا يمكن إلصاقها بخصوم الرئيس وأعضاء حزبه، بل هي أخطاء تيار لم تشفع له شيخوخته التاريخية في تجاوز مراهقته السياسية.
إن مشكلة كل التيارات الشمولية، ومن ضمنها التيارات الإسلامية، هي اعتقادها بأنّ هوية الحاكم تحدّد طريقة الحكم، ولهذا السبب تحديداً يتمسك أنصار هذه التيارات الشمولية بمفهوم الديمقراطية المطلقة دون أدنى اعتبار لحقيقة أن الديمقراطية التي لا يكبح جماحها سوى "شرعية الصندوق" ليست سوى وجه آخر من وجوه الدكتاتورية.
هناك فرق كبير بين شرعية الحاكم وشرعية الحكم، فالأولى يحددها الصندوق، والثانية يحددها الدستور. قد يستمد الدكتاتور شرعيته من الصندوق، لكن هذا لا يجعل من الدكتاتورية طريقة مشروعة في الحكم! شرعية الصندوق أنتجت "هتلر" لكنها لا تبرّر نازيته، وشرعية الصندوق أنتجت "موسوليني" لكنها لا تبرّر فاشيته، وشرعية الصندوق أنتجت "مرسي" لكنها لا تبرّر طائفيته، ذلك أنّ شرعية الصندوق تقتصر فقط على تحديد هوية من يحكم، وأما كيفية الحكم فيحددها الدستور الذي يهدف إلى ضمان التعايش السلمي والعادل بين أفراد المجتمع الواحد.
لقد حاول الرئيس المخلوع احتواء حالة الاحتقان الشديد في الشارع المصري من خلال خطابات رئاسية تدّعي مخاطبة المصريين بكل أطيافهم، لكنّ الأغلبية العظمى من الشعب المصري فقدت الثقة برئيسها، فكيف يثق الشعب برئيس يحضر مؤتمرا طائفيا يصف الشيعة بالأنجاس من دون أن يعرب عن أدنى اعتراض؟ وكيف يثق الشعب برئيس يقسم على احترام القانون ثم يضع نفسه فوق القانون؟ بل كيف يثق الشعب بحزب يتعهد بعدم خوض الانتخابات الرئاسية ثم ينكث بعهده؟
إنّ الذين يصفون ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري يتجاهلون الدعوات المتكررة التي أطلقها الجيش المصري في الشهر الماضي إلى الحوار بين الأحزاب السياسية كافة ورفضها الرئيس وحزبه، كما يتجاهلون أيضا حقيقة أن الجيش لم يتخذ قرار التدخل لفرض القانون بالقوة بمفرده، بل جاء بعد مشاورات مع أطياف الشعب المصري كافة، ثم نأى بنفسه عن مسؤولية الحكم ليضعها في يد القضاء المصري. إنّ من يصف ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري يفترض ضمناً أنّ شرعية الحاكم تعلو على شرعية الحكم، وإلاّ ما معنى تجاهل الأخطاء القاتلة في طريقة الرئيس في حكم البلاد بحجة أنّه جاء عن طريق صناديق الاقتراع؟ هل من المعقول أنّ تبرّر شرعية الصندوق للدكتاتور الاستمرار في دكتاتوريته إلى نهاية فترة رئاسته؟!
إن مصر هي بلد التعددية التي تجسدت في ميدان التحرير وغيره من الميادين في أنحاء مصر قاطبة، حيث نجد السني والشيعي واليساري واليميني والمسيحي واللاديني جنبا إلى جنب، بينما يقف على الطرف الآخر أفراد على ملة واحدة، فالعبرة الحقيقية ليست بعدد المتظاهرين في كلا الفريقين، بل بمدى تجسيد كليهما للتعددية التي تعكس الوجه الحضاري للمجتمع المصري، كما تعكس أيضا مقدار تسامحه، لكنه تسامح له حدود، فالقنوات الدينية التي دأبت على تكفير الخصوم السياسيين وبث روح الفرقة بين أبناء الشعب الواحد خليقة بأن يتم إغلاقها بالقوة، فلا تسامح مع اللاتسامح أبداً.

الأربعاء، 3 يوليو 2013

محاضرة: ماذا بعد المقاطعة؟

محاضرة أقامها التيار التقدمي الكويتي بعنوان
ماذا بعد المقاطعة؟
1-يوليو-2013