الاثنين، 26 نوفمبر 2012

اضحك... فـ «شرّ البليّة ما يُضحك»!


منذ زمن لم أحظَ برغبة حقيقية في الضحك، لكن اليوم تدمع العين من شدة الضحك، و"شرّ البليّة ما يُضحك" كما يقولون! أما البليّة فشرُّها أن الانتخابات القادمة تشبه الدنيا في عين ابن الوردي، فهي "تُخفض العالي وتُعلي من سَفَل"، وأما الضحك فله أسباب ليس من بينها ما يلي:
1- لا تدعو إلى الضحك دعوة تلفزيون الكويت المواطنين إلى المشاركة في الانتخابات، فهو تلفزيون لا يرقى حتى أن يكون جهازاً إعلامياً للدولة، بل مجرد بوق إعلامي للسلطة.
2- كما لا يدعو إلى الضحك الشعار الطاغي لأغلب المرشحين في الانتخابات القادمة، فشعار "طاعة وليّ الأمر" لا يرفعه إلا المفلس من أي شيء يستطيع تقديمه، والطاعة في هذه الحالة فيها تقاعس عن واجب تقديم- على الأقل- تصورات أولية حول مستقبل البلد، لكن يبدو أن أغلب المرشحين يعتقدون أن من اختصاصات ولي الأمر وضع التصورات المستقبلية، ومن واجبهم هم السمع والطاعة!
3- هل ينبغي الضحك عند معرفة أن هناك شريحة انتخابية ستشارك في الانتخابات القادمة لا لشيء إلا لمقاطعة نواب "الأغلبية" لها؟ إطلاقا، فأفراد هذه الشريحة لا يرون أبعد من أنوفهم، فلو خرجوا إلى المظاهرات لعرفوا من هو المحرك الرئيسي للحراك الشعبي، وهم لا يفكرون إلا بعد أن يملأوا بطونهم، ولو حاولوا التفكير قبل الأكل لتوصلوا إلى حقيقة أن جوع الكرامة أشد وطأة على النفوس من جوع البطون!
4- هل نضحك من كُتّاب السلطة وما يسطرون في صحفنا المحلية؟ ليس من الشهامة في شيء أن نضحك على مثل هؤلاء، فمن باع ضميره ينبغي أن يثير فينا الشفقة، لا السخرية، ومن باع وطنه خليق بنا أن نشمئز منه، لا أن نتهكم عليه، ومن هانت عليه كرامته السياسية أدعى أن نصد عنه، لا أن نلتفت إليه!
5- هناك أمر يستدعي الضحك فعلاً، لكن من الحكمة أن نكتم الضحكات حتى إشعار آخر لضرورات المرحلة الحالية، وهو أمر يشير إلى حقيقة أن اهتمام "المثقفين" بمعرض الكتب وتوقيع كتبهم أشد من اهتمامهم بالانتخابات القادمة! لكن الأزمات تصنع المثقفين، ومثقفونا لا يشعرون بوجود أزمة، لذا من حقهم علينا ألا نعكر عليهم صفو حفلات توقيع الكتب!
ما يثير الضحك فعلاً هو الدعوة إلى ضرورة (لاحظ، ضرورة) احترام الرأي الداعي إلى المشاركة في الانتخابات القادمة، بحجة أن احترام كل (لاحظ، كل) الآراء واجب مهما اختلفنا معها! حسناً، يُحكى أن رجلا عُرِف عنه التسامح الشديد مع من يختلف معهم في الرأي، والمبالغة الشديدة أيضاً في احترام آرائهم رغم رفضه لها، ثم حدث ذات مرة أنْ دخل في نقاش حاد مع شخص آخر، ليقول هذا الأخير: "أنت مجرد حشرة قاريّة"، فما كان من الرجل المتسامح إلا أن يجيب: "أنا أحترم وجهة نظرك، لكني معترض على فكرة أني مجرد حشرة قاريّة، ربما أكون حشرة كما تقول، لكني حتما لست حشرة قاريّة"!
الرأي، أي رأي، لا يكتسب احتراماً لمجرد أنه رأي، بل إن مسألة الاحترام متعلقة بمحتوى هذا الرأي، والرأي الداعي إلى المشاركة في الانتخابات لا يستحق الاحترام، لأن ضريبة هذا الاحترام هو النيل من كرامة المواطن، ولا يدفع هذه الضريبة إلا الذي لا يقدر نفسه حق قدرها!

الاثنين، 19 نوفمبر 2012

الثورات العربية والأنظمة الخليجية

يبدو أن الثورات العربية قد عززت من غريزة حب البقاء على هرم السلطة عند الأسر الحاكمة الخليجية بحيث أصبحت مكشوفة للجميع، كما لا يمكن فهم سلوك هذه الأسر تجاه الثورات العربية وتداعياتها بعيداً عن حرصها الجامح على بقاء الأوضاع على ما هي عليه.


إذا كانت غريزة حب البقاء على قيد الحياة سمة مشتركة بين الكائنات الحية، فإن غريزة حب البقاء على هرم السلطة سمة مشتركة بين الأنظمة الشمولية، ومن ضمنها الأنظمة السياسية في منطقة الخليج، ويبدو أن الثورات العربية قد عززت من هذه الغريزة عند الأسر الحاكمة الخليجية بحيث أصبحت مكشوفة للجميع، كما لا يمكن فهم سلوك هذه الأسر تجاه الثورات العربية وتداعياتها بعيداً عن حرصها الجامح على بقاء الأوضاع على ما هي عليه.
لننظر– على سبيل المثال– إلى تلك الدعوة التي وجهتها دول الخليج إلى كلّ من الأردن والمغرب في الانضمام إلى المنظومة الخليجية، وهي دعوة لها وظيفتان:
إعلامية، ولوجستية. أمّا الوظيفة الإعلامية فتهدف إلى دعم الحجة التي تقول إنّ الأنظمة الملكية أكثر استقراراً وديمومة من الأنظمة الجمهورية، وبقاء النظام الملكي في الأردن والمغرب من شأنه تعزيز مثل هذه الحجة.
وأمّا الوظيفة اللوجستية فتتمثل بالحصول على الخبرات المغربية والأردنية لتطويع الشعوب الخليجية كلما دعت الحاجة إلى ذلك!
بعد أن اجتاحت الثورات العربية دولاً كبيرة في المنطقة، كانت أمام الأسر الحاكمة الخليجية فرصة ذهبية لإعادة العلاقة مع شعوبها على أسس جديدة، أسس من شأنها ضمان استقرار الأنظمة السياسية مع حفظ كرامة شعوبها، أسس تضمن المشاركة الشعبية الواسعة في صنع القرار السياسي مع ضمان الاحترام التقليدي للأسر الحاكمة، أسس تجعل من شعار "مصيرنا واحد" شعاراً مرتبطاً بالشعوب الخليجية في المقام الأول، لا شعاراً مقتصراً على الأسر الحاكمة أولاً وأخيراً!
لكن– مع الأسف الشديد– ضاعت هذه الفرصة الذهبية أو كادت تضيع بعد أن تشبثت الأنظمة الخليجية بغريزة حب البقاء حتى جاء سلوكها السياسي في الآونة الأخيرة معبّراً بوضوح عن تلك الغريزة الأنانية، فإلى جانب الدعوة الخليجية المشبوهة لكل من الأردن والمغرب إلى الانضمام إلى "المصير الخليجي"، قدّمت الدول الخليجية الفاعلة مساعدات مالية ضخمة لكل من البحرين وعمان لضمان استقرار الأوضاع هناك على ما هي عليه، رغم المطالبات الشعبية الواسعة في المزيد من الديمقراطية، كما رفعت الأسر الحاكمة الخليجية شعار الانتقال من التعاون إلى الاتحاد، ثم جاء دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين ليؤكد حقيقة أن التعاون والاتحاد الخليجيين متعلقان فقط بمصير الأسر الحاكمة، لا مصير شعوبها!
بالأمس، لعبت دول الخليج دور الوسيط في اليمن لضمان انتقال سلمي للسلطة لا يهدد استقرار الأنظمة الملكية المجاورة، من دون أدنى اعتبار لآمال الشعب اليمني وتضحياته في سبيل تنظيم البيت اليمني بطريقة تحفظ للشعب هناك كرامته وحريته، واليوم تبعث دول الخليج بالاتفاقية الأمنية الحياة من جديد للأسباب ذاتها، وإنها لمفارقة مؤلمة أن تردد الشعوب الخليجية مراراً وتكراراً أن مصيرها ومصير حكّامها مصير واحد، بينما تصر الأسر الحاكمة الخليجية على أن مصيرها شيء، ومصير شعوبها شيء آخر مختلف تماماً!

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

الشعب يريد إسقاط المرسوم

ليس مستغرباً أن يكون مِن بين المتحمسين اليوم إلى المشاركة في الانتخابات القادمة مَن انتشى بالأمس طرباً لضرب الناس في ديوان الحربش، فالعامل المشترك بين حماس اليوم ونشوة الأمس يكشف عن عدم قدرة على الإحساس بشعور المهانة، ومن لا يشعر بالمهانة لا ينتصر لكرامته أبداً، ناهيك عن كرامة الآخرين.
 
يطرح البعض- بحسن نية أو بسوئها، لا أدري- موضوع مقاطعة الانتخابات بوصفه مجرد مسألة رأي، وبالتالي على الجميع احترام وجهة النظر التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، كما على المقاطعين أيضاً أن يحترموا في المقابل وجهة النظر الأخرى التي تدعو إلى المشاركة في الانتخابات، لكن هل المسألة هي فعلا مجرد مسألة اختلاف بين وجهتي نظر لكل منهما واجب الاحترام؟
 إنّ من يجيب بـ"نعم" عن هذا السؤال لا يعي حقيقة أنّ الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات هي في واقع الأمر دعوة إلى تمسك المواطنين بكرامتهم، وعدم قبول المساس بها من قبل السلطة، ولو استطاع الجميع إدراك هذه الحقيقة لما وُصفت المشاركة في الانتخابات بأنها وجهة نظر جديرة بالاحترام، إذ كيف من الممكن احترام القبول بالذل والمهانة؟
 الطاعة مهانة، والتمرّد كرامة، ففي الأولى تنازل عن إرادة الذات، وفي الأخرى تأكيد لها.
 يتندّر البعض بجملة "نحن جياع كرامة" التي أطلقها الدكتور أحمد الخطيب، لكن أيهما أسمى من الناحية الأخلاقية: أن ينال الجوع من كرامتك فتغضب، أم أن تتخم نفسك بالمهانة فتطمئن؟ القدرة على الإحساس بالمهانة شرط ضروري للدفاع عن الكرامة، لكن يبدو أن هذا الشرط غير متوافر عند أولئك المتندرين بجملة الدكتور الخطيب.
 ليس مستغرباً أن يكون مِن بين المتحمسين اليوم إلى المشاركة في الانتخابات القادمة مَن انتشى بالأمس طرباً لضرب الناس في ديوان الحربش، فالعامل المشترك بين حماس اليوم ونشوة الأمس يكشف عن عدم قدرة على الإحساس بشعور المهانة، ومن لا يشعر بالمهانة لا ينتصر لكرامته أبداً، ناهيك عن كرامة الآخرين. قبِل الناس على مضض طوال عقود من الزمن بدستور يضفي مشروعية على حكومة غير ديمقراطية، حكومة معينة من قِبل الأمير، لا منتخبة من قِبل الشعب، حكومة تم تشكيلها عن طريق الهاتف، لا من خلال صناديق الاقتراع، وعندما ارتفعت الأصوات مطالبة بضرورة إصلاح النظام السياسي وتطويره إلى المزيد من الديمقراطية، جاء ردّ السلطة ليأخذنا خطوة إلى الخلف، خطوة تقودنا إلى وضع سياسي بالغ الخطورة، حيث لا شرعية شعبية لكلّ من البرلمان ومجلس الوزراء.
 نعم، "الشعب يريد إسقاط المرسوم"، شعار رددّه المتظاهرون بالأمس، وسيبقى مرفوعاً ما بقي هذا الشعب حرّاً أبيّاً.
 

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

كرامة الأوطان

كرامة الأوطان تتجلى في أبهى صورها عندما تقرر الشعوب مصائر أوطانها، حيث الحكومة منتخبة، والدستور مصون، والحرية مكفولة، جاء في «الإنجيل» أنْ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وجاء في «الربيع العربي» أنْ ليس من أجل الخبز وحده تثور الشعوب، وشرارة الثورات بدأت حيث اجتمع الجوع والمهانة في شخص محمد البوعزيزي!


كرامة الوطن من كرامة مواطنيه، وكرامة المواطنين هي حقهم في تقرير مصير وطنهم، وتقرير المصير يحتاج إلى أن تكون للشعوب إرادة سياسية، فمن دون هذه الإرادة تتحول الشعوب إلى قطيع من الأغنام، تأتمر بأمر الراعي، وتنتهي بنهيه.
أن تولّي أمرك لوليّ الأمر معناه أنْ تتنازل عن إرادتك السياسية لوليّ الأمر، وفي التنازل عن الإرادة إخلاء من المسؤولية، لذا فإن وليّ الأمر مسؤول بالقدر الذي تكون أنت فيه غير مسؤول، مما يعني أنّ شعار "طاعة وليّ الأمر" هو في حقيقة الأمر دعوة صريحة إلى نظام الحكم الفردي المطلق، وهو نظام يكون فيه المحكوم غير مسؤول عن أي شيء، بينما يكون فيه الحاكم مسؤولاً عن كل شيء، وهنا يكمن السبب في حقيقة أن الحاكم هو الوحيد القادر على المحافظة على كرامته في أنظمة الحكم الشمولية، ذلك أنه الشخص الوحيد الذي يتمتع بإرادة سياسية.
كرامة الأوطان تتجلى في أبهى صورها عندما تقرر الشعوب مصائر أوطانها، حيث الحكومة منتخبة، والدستور مصون، والحرية مكفولة، جاء في "الإنجيل" أنْ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وجاء في "الربيع العربي" أنْ ليس من أجل الخبز وحده تثور الشعوب، وشرارة الثورات بدأت حيث اجتمع الجوع والمهانة في شخص محمد البوعزيزي!

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

الكويت بين الحكمة والحماقة


إن هذا الشعب الحي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه شعب يتمتع بقدر كبير من الحكمة، فأمام اتهامات التخوين والعمالة للخارج، ظل هذا الشعب الكريم وفياً للعهد التاريخي الدستوري الذي يجمعه والأسرة الحاكمة، وأمام الخيار الأمني المفرط في استعمال القوة، مازال هذا الشعب يتحلى بقدر من ضبط النفس مثير للإعجاب.

بالرغم من كل ما قيل حول المظاهرات الشعبية العارمة التي تشهدها البلاد حاليا، وبالرغم من الأعمال الفردية المؤسفة التي حدثت هنا وهناك، فإن هذا الشعب الحي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه شعب يتمتع بقدر كبير من الحكمة، فأمام اتهامات التخوين والعمالة للخارج، ظل هذا الشعب الكريم وفياً للعهد التاريخي الدستوري الذي يجمعه والأسرة الحاكمة، وأمام الخيار الأمني المفرط في استعمال القوة، مازال هذا الشعب يتحلى بقدر من ضبط النفس مثير للإعجاب، وأمام المفردات البذيئة والعنصرية مثل “الغوغاء” و”الهيلق”، رفع الشعب شعار “المسيرة” بدلا من “المظاهرة”، وهو شعار محايد، فالمسيرة قد تكون احتفالية أو احتجاجية، وفي هذا الحياد تأكيد على الطابع السلمي للغضب الشعبي.
لا يضاهي حماقة الحكومة وقواتها الأمنية سوى حماقة أولئك المباركين للنهج القمعي، فمن المؤسف أن يعبّر البعض عن مصالحهم الطائفية من خلال الاصطفاف المعيب مع حكومة قمعية ويتناسون أحداث “مسجد شعبان” والمطالب المشروعة التي تم طرحها آنذاك، بل إنهم تناسوا المعنى العميق لمشاركة الدكتور أحمد الخطيب والأستاذ أحمد الديين وغيرهما من المخلصين في تلك الأحداث ومساندتهم لمطالبها المشروعة.
إن أبغض سمة من سمات النفس الطائفي عند كلا الطرفين، السني والشيعي، هي هذه الانتهازية المبنية على مصلحة الجماعة دون أدنى اعتبار لمغبّة الوقوع في تناقض صارخ، ويكفي عقد مقارنة سريعة بين رؤية كلا الطرفين حول الوضع في البحرين والوضع الداخلي.
من المخجل أيضا أن يجهل الموقعون على البيان المخزي لقيادات المنبر الديمقراطي المعنى العميق لخوض الدكتور الخطيب معترك الانتخابات البرلمانية في دائرة ضمت من بين مناطقها مدينة الجهراء والنجاح فيها. لقد اختزل الموقعون على ذلك البيان المعيب كل تفاصيل القمع البغيض لأهالي صباح الناصر في حادثة الدهس المؤسفة، بل إنهم لم يجدوا ضرورة في الإشارة إلى ذلك القمع لحفظ ماء الوجه على الأقل. إن أبرز سمة من سمات النفس العنصري هي هذه الأنانية المتجردة من الإنسانية، وما الإنسان العنصري إلا مريض نفسي، فالعنصرية تمنحه شعوراً زائفاً بالأهمية من خلال تضخيم الذات على حساب تحجيم الآخر، ذلك أن تضخيم الذات يؤدي تلقائياً إلى تحجيم الآخر، حتى لو جاء هذا التحجيم على شكل قمع سلطوي، أو قهر ممنهج، أو ظلم فاحش.
قد ينجح السيف في إرغام الآخرين على الإذعان لرأي السلطة، لكن السيف في حد ذاته لا يشكل دليلاً على صحة رأي السلطة. عندما وصل الفاشيون إلى الحكم بعد الحرب الأهلية الإسبانية، وقف الأديب الإسباني ميغيل أونامونو مخاطباً جنود الدكتاتور فرانكو: “ربما انتصرتم، لكنكم لن تفلحوا أبدا في إقناعنا بقوة السلاح”.