الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

قراءة في كتاب «الخصخصة: من مواطنين إلى زبائن» (3)


لم يستند مؤلف الكتاب في موقفه الرافض للخصخصة إلى المنطق فحسب، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك ليورد آراء ودراسات حول تجارب الخصخصة في بعض الدول النامية، من بينها رأي السيد "سوندارام"، الخبير الدولي والأمين العام المساعد للأمم المتحدة لشؤون التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى الدراسة التي أعدّها مركز المشروعات الدولية الخاصة (CIPE) بواشنطن عن الخصخصة في الدولة النامية، وتقرير جامعة كامبردج المتعلق ببرامج الخصخصة في دول الاتحاد السوفياتي السابق، وقد جاءت كلها لتدلل على حقيقة أنّ الخصخصة تنتقص من الديمقراطية، وتساهم في انخفاض دخل الدولة، وتزيد الهوّة بين الأغنياء والفقراء.
إلى جانب آراء الخبراء ونتائج الدراسات العلمية، استعرض المؤلف تجارب عمليات الخصخصة في بعض الدول النامية، مثل مصر والجزائر والأردن وتركيا والأرجنتين وغيرها من الدول، وقد أسفرت كل تلك التجارب– كما يوضح المؤلف بالأرقام والمصادر الموثقة– عن نتائج كارثية بكل المقاييس، مثل تنامي معدلات الفقر، وتركّز الثروة بأيدي القلة، وازدياد معدلات البطالة، وإضعاف اقتصاد الدولة، وشيوع الفساد المالي والإداري، ونهب مدخرات الشعوب وثرواتها، وقد دفعت هذه النتائج الكارثية بعض الدول إلى التراجع عن برامج الخصخصة وإلى إعادة تأميم ما سبق تخصيصه من مؤسسات!
للخصخصة مشكلاتها التي من أهمها البطالة، واحتكار السلطة والثروة، وتهديد الديمقراطية وإضعاف المساءلة العامة، والفساد الإداري وهدر المال العام، وقد توقف المؤلف عند كل مشكلة على حدة، محاولا كشف الستار عن الوجه القبيح للرأسمالية المتوحشة، فمشكلة البطالة– على سبيل المثال لا الحصر– "تؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، واتساع الفوارق الطبقية، ووجود فئات وشرائح اجتماعية مُهمّشة، كما تؤدي أيضا إلى مشكلات اجتماعية كثيرة، كالجرائم والإدمان والتفكك الأسري". (ص. 80)، وإزاء هذه الكوارث الناتجة عن البطالة– كما يشير المؤلف– لا يملك دعاة الخصخصة وأرباب "صندوق النقد الدولي" سوى اقتراح إنشاء صناديق اجتماعية شبيهة بصدقات المحسنين، وهو اقتراح يفضح الانقلاب على جوهر العمل بوصفه واجبا تؤديه الدولة تجاه المواطن، لا هبة يمنحها الغنيّ للفقير!
لم يقتصر المؤلف في كتابه على النقد المنهجي لموضوع الخصخصة بوصفها سياسة اقتصادية فاشلة، إنما تجاوز ذلك إلى تقديم بدائل عنها، وقد جاءت هذه البدائل على شكل حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية، ومن بينها التأكيد على دور الحُكم الصالح والرشيد في ضمان وجود "تنمية إنسانية شاملة وحقيقية". (ص. 98)، وضرورة خلق اقتصاد وطني منتج ومستقل، واستحداث "نظام ضريبي عادل ومتطور بحيث تُفرض ضرائب تصاعدية على الدخول المرتفعة وعلى أرباح الشركات والمؤسسات الخاصة". (ص. 101)، وإجراء إصلاحات إدارية شاملة للمؤسسات والشركات العامة، وإنشاء أجهزة رقابية مستقلة.  
إنّ كتاب الزميل بدر الديحاني يدقّ ناقوس الخطر، خطر الانغماس في ماديّة لا تقيم وزنا للإنسان، ولا تحفل بمبدأ العدالة الاجتماعية، ولا تلتزم إلّا بتعاليم الإله "هيرمس"، إله المال واللصوص وقُطّاع الطرق!

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

لقاء إذاعي حول مشروع التنوير في العالم العربي

لقاء إذاعي حول مشروع التنوير في العالم العربي
برنامج صلب الموضوع - محاورة: عقيل عيدان
اذاعة دولة الكويت - البرنامج الثاني

الاثنين، 23 نوفمبر 2015

قراءة في كتاب «الخصخصة: من مواطنين إلى زبائن» (2)


بشكل عام، لا يتمتع القطاع العام بسمعة جيدة من حيث كفاءة العمل ومستوى جودة الخدمات التي يقدّمها للمستهلكين، وقد اتخذ معظم أرباب القطاع الخاص من هذه السمعة السيئة حجة مفادها أنّ الخصخصة هي الحلّ الأمثل لتجاوز الترهّل الإداري والوهن الرقابي في القطاع العام، وتجنّب الفساد المستشري فيه، وبذلك يرى أنصار الخصخصة أنّ من شأن تحويل مُلكية القطاع العام إلى القطاع الخاص تحسين الكفاءة ورفع مستوى جودة الخدمات، ولكنّ المؤلف يبيّن تهافت هذه الحجة من خلال استحضار الافتراضات المغلوطة التي تقوم عليها، فالحجة تفترض، أولا، أنّ تصفية الدور الاقتصادي للدولة هي الطريقة المثلى لمعالجة الخلل الإداري في أيّ قطاع حكومي، في حين أنّ من الممكن معالجة الخلل المتعلّق بالإدارة من دون الحاجة إلى بيع الجمل بما حمل على القطاع الخاص، كما أنّ الحجة تفترض، ثانيا، أنّ الفساد الإداري مقتصر على القطاع العام، في حين أنّ "واقع الحال يوضح أنّ القطاع الخاص خصوصا في الدول النامية، ومن ضمنها الكويت بالطبع، لا يقلّ عن القطاع العام من ناحية سوء الأداء وانتشار الفساد" (ص. 37)، كما ذهب المؤلف في تفنيد هذه الحجة إلى أبعد من ذلك من خلال طرح السؤال التالي: عندما يزعم دعاة الخصخصة أنّ الأجهزة الحكومية فاسدة وغير كفؤة بحكم نوع مُلكيتها، فكيف ستقوم الدولة بدورها الإشرافي والرقابي الذي من شأنه الحدّ من فساد قطاع يهدف في المقام الأول إلى تحقيق الربح المباشر والسريع؟!
 يزعم نفرٌ من أرباب القطاع الخاص أنّ من شأن الخصخصة أيضا المساهمة في توسيع قاعدة المُلكية من خلال كسر "احتكار الدولة"، ومن جديد يبيّن المؤلف تهافت هذا الزعم من خلال التأكيد على حقيقة أنّ مفهوم "الاحتكار" مرتبط بالمُلكية الخاصة لا المُلكية العامة، حيث كتب يقول إنّ "مفهوم الاحتكار يتعارض منطقيا مع مفهوم المُلكية العامة (أي مُلكية الجميع)، فالاحتكار يفترض عدم أحقية طرف واحد على الأقل في المُلكية، في حين أنّ المُلكية العامة تعني اصطلاحا عدم وجود مثل هذا الطرف، ومن هنا فإنّ جوهر الخصخصة هو احتكار عدد محدود من الأشخاص أو فئة اجتماعية لمورد عام عن طريق نزع مُلكية هذا المورد من فئات اجتماعية أخرى، وبالتالي يصبح من المنطقي القول إنّ الدعوة إلى كسر احتكار الدولة عن طريق الخصخصة تنطوي في واقع الأمر على دعوة إلى كسر احتكار لا وجود له من الأساس" (ص. 41).   
ينتقل المؤلف إلى تفنيد حجة أخرى مفادها أنّ الخصخصة تساهم في دعم ميزانية الدولة، حيث يؤكد حقيقة أنّ نقل المُلكية في ذاته لا يضمن تعزيز الإيرادات الحكومية، بل قد يكون العكس هو الصحيح، خصوصا عندما تكون الخصخصة متعلقة بقطاعات حكومية ذات جدوى اقتصادية مرتفعة، الأمر الذي يحرم ميزانية الدولة من إيرادات هذه القطاعات المربحة من جهة، ويكشف عن شبهة التنفيع الحكومي لمجاميع تجارية من جهة أخرى.
يطرح دعاة الخصخصة حُججاً إضافية يتصدّى لها المؤلف الواحدة تلو الأخرى، فالخصخصة لا تقضي على البطالة بل تساهم في تفاقمها، والخصخصة لا تؤدّي بالضرورة إلى تشجيع المنافسة وكسر احتكار السوق بل على العكس من ذلك تماما، والخصخصة لا تعزّز الديمقراطية بل تعمل على تقويضها من خلال انتقال السلطة من رجال البرلمان إلى رجال الأعمال من جهة، وتحوّل الأفراد من مواطنين فاعلين إلى مجرّد زبائن مستهلكين!
يتبع.

الأحد، 22 نوفمبر 2015

محاضرة رحلة القراءة: من الرمز إلى المعنى

محاضرة ضمن فعالية تنوين ( مشروع تكوين ) بعنوان
رحلة القراءة: من الرمز إلى المعنى
14-نوفمبر-2015

الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

قراءة في كتاب «الخصخصة: من مواطنين إلى زبائن» (1)


في العام الماضي، صدر كتاب "الخصخصة: من مواطنين إلى زبائن" عن دار "مكتبة آفاق"، لمؤلفه الزميل د. بدر الديحاني، وقد قرأت الكتاب مرتين، قرأته قبل النشر من خلال مسوّدة الكتاب التي أتاح لي المؤلف مشكوراً الاطلاع عليها، وقرأته بعد النشر في نسخته المطبوعة، وأعترف بأني هممت بتقديم عرض للكتاب هنا في "الجريدة" منذ أن خرج إلى النور في طبعته الأولى، لكنني آثرت الانتظار على أمل أن يقوم بهذه المهمة مَن هم أقدر مني على ذلك، وها قد مضى عام كامل على نشر الكتاب من دون أن يلحظ وجوده أيّ من المحررين الاقتصاديين الذين تمتلئ بهم صحفنا المحلية، ولا عجب ولا غرابة، فعنوان الكتاب يتعارض مع المانشيتات الصحافية البرّاقة حول "فوائد الخصخصة وأهميتها"!
جاءت مقدمة الكتاب متسقة مع عنوانه، فالمؤلف لا ينكر رفضه القاطع للخصخصة المتمثلة في تحويل الملْكية العامة إلى ملكية خاصة، وهذا الرفض القاطع ليس مبنياً على وجهة نظر "دوغمائية"، بل هي وجهة نظر موضوعية، جاءت بعد أن بذل المؤلف جهداً كبيراً في عرض أبرز الحجج المؤيدة للخصخصة وتفنيدها الواحدة تلو الأخرى، وبالرغم من ذلك فإن المؤلف لا يحاول فرض وجهة نظره الموضوعية على القارئ، فهو يعلن منذ البداية أن الهدف من الكتاب هو "المساهمة في إثراء النقاش العام حول موضوع الخصخصة" (ص: 11)، والإشارة هنا إلى "النقاش العام" إشارة مقصودة، فالمؤلف يعلن منذ البداية أيضاً أن الكتاب موجّه إلى المتخصصين وغير المتخصصين على حدّ سواء، وقد انتهج في سبيل تحقيق ذلك منهج الوضوح في عرض الموضوع بأسلوب ميسّر، والمؤلف بذلك ينأى بنفسه عن المنهج النيوليبرالي في تناول موضوع الشأن الاقتصادي، وكأنه "طلاسم ومعادلات وأرقام معقدة وغير مفهومة لا علاقة لها بالإنسان الذي تم تحويله إلى مجرد أرقام صماء" (ص: 10).
حمل الفصل الأول من الكتاب عنوان "الأسس النظرية للخصخصة"، حيث استعرض الكاتب المنطلقات الفكرية للخصخصة والسياق التاريخي الذي نشأت فيه، ثم انتقل في الفصل الثاني إلى توضيح مفهوم "الخصخصة" وأشكالها المتعددة، مع عرض الحجج المؤيدة لها وتفنيد كلّ حجة على حدة، أمّا الفصلان الثالث والرابع فتناولا تجارب بعض الدول الأجنبية والعربية في تطبيق سياسة الخصخصة، ثم انتقل الكاتب في الفصل الخامس من الكتاب إلى تبيان مشكلات الخصخصة المتمثلة في البطالة، واحتكار السلطة والثروة، وغياب العدالة الاجتماعية، وتهديد الديمقراطية مع غياب المساءلة العامة، إلى جانب الفساد المالي والإداري وهدر المال العام، ثم جاء الفصل الأخير من الكتاب ليقدّم بدائل للخصخصة من شأنها تفادي ما سبق ذكره من مشكلات.
يتبع،،،

الأحد، 1 نوفمبر 2015

مفاهيم ملتبسة


(1) النزاهة

مفهوم «النزاهة» مفهوم ملتبس، ومصدر الالتباس يكمن في وجود تباين بين معنى كلمة «نزاهة» في اللغة العربية من جهة، واستخدام هذه الكلمة كمترادف لكلمة integrity من جهة أخرى، فالمعنى العربي يشير بوجه عام إلى «البُعد عن السوء وترك الشبهات»، في حين أنّ الاشتقاق اللاتيني لهذه الكلمة يشير إلى معنى «الكمال»، لكن عند استخدام كلمة «نزاهة» كمترادف لكلمة integrity بمعناها الحديث، فإنّ المقصود هنا هو توافق أفعال المرء مع المبادئ والقيم التي يؤمن بها، وبذلك يكون شرط النزاهة مقتصرا على مبدأ الاتساق بين الاعتقاد والسلوك، وهذا ما يجعل فضيلة النزاهة تقف على النقيض من رذيلة النفاق، كما أنّ النزاهة بمفهومها الحديث تشير إلى عدم وجود تعارض بالضرروة بين السرقة والنزاهة، فشخصية «روبن هود» هي شخصية بطل يؤمن إيمانا عميقا بمشروعية سرقة الأغنياء لإطعام الفقراء، وبذلك يستحقّ لقب «اللصّ النزيه» لأنّه ترجم اعتقاده إلى سلوك، على العكس من أغلب اللصوص المنافقين ممن يرفعون شعار الأمانة بيد ويسرقون اللقمة من أفواه الفقراء باليد الأخرى!

(2) الإلحاد

مفهوم «الإلحاد» مفهوم ملتبس، ومصدر الالتباس يعود إلى تعريف كلمة «إلحاد» بأنها إنكارٌ لوجود الله، ومن الواضح أنّ هذا التعريف يفتقر إلى الموضوعية، فالإلحاد يعبّر عن موقف فكري من كل الآلهة بشكل عام ولا يقتصر على إله معيّن، كما أنّ الإنكار يعني جحود الشيء مع العلم بوجوده، في حين أنّ الملحد لا ينكر ما يعلمه، بل هو صادق في افتقاره إلى الإيمان بوجود إله أو آلهة، ذلك أنّ الإلحاد يعني الافتقار إلى الإيمان، لا إنكاره! هذا الالتباس في مفهوم الإلحاد هو المسؤول عن مغالطة منطقية تُعرف باسم «الإثبات السلبي»، ويكثر العثور على هذه المغالطة في الأدبيات الدينية بشكل عام، ومفادها أنّ (س) صحيحة لعدم وجود إثبات على خطأ (س)، أو بعبارة أخرى أكثر تحديدا، فكرة الإيمان بوجود إله فكرة صحيحة لعدم وجود إثبات على خطأ هذه الفكرة، وقد تصدّى لهذه المغالطة المنطقية الفيلسوف البريطاني المعروف «برتراند رسل» بغرض التأكيد على حقيقة أنّ عبء الإثبات يقع على المؤمن لا على الملحد، حيث كتب يقول: «لو أنّي قلت إنّ هناك بين الأرض والمريخ إبريق شاي يدور حول الشمس في مدار بيضاوي الشكل، فإنّ أحداً لن يكون بمقدوره إثبات خطأ ما أقول عندما أضيف قائلا إنّ ابريق الشاي صغير جدا بحيث لا يمكن رصده بأقوى المناظير الممكنة»!

(3) الليبرالية

مفهوم «الليبرالية» مفهوم ملتبس، ومصدر الالتباس يعود إلى تشويه هذا المفهوم إلى الحدّ الذي أصبح فيه مترادفا مع الانحلال الأخلاقي، في حين أنّ الليبرالية تنتمي في أصل نشأتها إلى الميدان السياسي-الاقتصادي، لا إلى ميدان الأخلاق بشكل عام، فهي تشير إلى فلسفة سياسية تبلورت في عصر التنوير كاستجابة لنمو الدول القومية الحديثة في أوروبا، ومن المعروف أنّ الفيلسوف الإنكليزي «جون لوك» جعل حقّ أيّ حكومة في بسط سلطتها على حدودها مرهوناً بقدرتها على تأمين الحقوق الطبيعية لكل فرد يعيش داخل نطاق تلك الحدود: حقّ الحياة، وحقّ الحرية، وحقّ المُلكية الخاصة، وقد اتخذت الليبرالية الاقتصادية (الكلاسيكية) من حقّ الملكية الخاصة نقطة انطلاقها لتصل إلى أسطورة «اليد الخفية للسوق»، كما اتخذت الليبرالية السياسية (المعاصرة) من حقّ الحرية نقطة انطلاقها لتصل إلى ضرورة وقوف الحكومة على الحياد من قضية الحياة المثلى التي ينبغي لكل مواطن أن يعيشها، وأمّا كلمة liberal فيعود تاريخ استعمالها إلى القرن الرابع عشر، وقد ساهم هذا التاريخ الطويل في اتخاذ هذا الكلمة دلالات مختلفة، فهي قد تعني «الإنسان الحُرّ»، أي مَن ليس بعبد أو خادم، وفي هذه الحالة تكون مشتقة من المصطلح اللاتيني liber، وقد تأتي أيضا بمعنى «كريم»، كإشارة إلى هبات المحسنين من طبقة الأحرار تجاه الفقراء والمحتاجين، كما قد ترمز إلى الانفتاح العقلي بوصفها سلوكا اجتماعيا.