الأحد، 1 نوفمبر 2015

مفاهيم ملتبسة


(1) النزاهة

مفهوم «النزاهة» مفهوم ملتبس، ومصدر الالتباس يكمن في وجود تباين بين معنى كلمة «نزاهة» في اللغة العربية من جهة، واستخدام هذه الكلمة كمترادف لكلمة integrity من جهة أخرى، فالمعنى العربي يشير بوجه عام إلى «البُعد عن السوء وترك الشبهات»، في حين أنّ الاشتقاق اللاتيني لهذه الكلمة يشير إلى معنى «الكمال»، لكن عند استخدام كلمة «نزاهة» كمترادف لكلمة integrity بمعناها الحديث، فإنّ المقصود هنا هو توافق أفعال المرء مع المبادئ والقيم التي يؤمن بها، وبذلك يكون شرط النزاهة مقتصرا على مبدأ الاتساق بين الاعتقاد والسلوك، وهذا ما يجعل فضيلة النزاهة تقف على النقيض من رذيلة النفاق، كما أنّ النزاهة بمفهومها الحديث تشير إلى عدم وجود تعارض بالضرروة بين السرقة والنزاهة، فشخصية «روبن هود» هي شخصية بطل يؤمن إيمانا عميقا بمشروعية سرقة الأغنياء لإطعام الفقراء، وبذلك يستحقّ لقب «اللصّ النزيه» لأنّه ترجم اعتقاده إلى سلوك، على العكس من أغلب اللصوص المنافقين ممن يرفعون شعار الأمانة بيد ويسرقون اللقمة من أفواه الفقراء باليد الأخرى!

(2) الإلحاد

مفهوم «الإلحاد» مفهوم ملتبس، ومصدر الالتباس يعود إلى تعريف كلمة «إلحاد» بأنها إنكارٌ لوجود الله، ومن الواضح أنّ هذا التعريف يفتقر إلى الموضوعية، فالإلحاد يعبّر عن موقف فكري من كل الآلهة بشكل عام ولا يقتصر على إله معيّن، كما أنّ الإنكار يعني جحود الشيء مع العلم بوجوده، في حين أنّ الملحد لا ينكر ما يعلمه، بل هو صادق في افتقاره إلى الإيمان بوجود إله أو آلهة، ذلك أنّ الإلحاد يعني الافتقار إلى الإيمان، لا إنكاره! هذا الالتباس في مفهوم الإلحاد هو المسؤول عن مغالطة منطقية تُعرف باسم «الإثبات السلبي»، ويكثر العثور على هذه المغالطة في الأدبيات الدينية بشكل عام، ومفادها أنّ (س) صحيحة لعدم وجود إثبات على خطأ (س)، أو بعبارة أخرى أكثر تحديدا، فكرة الإيمان بوجود إله فكرة صحيحة لعدم وجود إثبات على خطأ هذه الفكرة، وقد تصدّى لهذه المغالطة المنطقية الفيلسوف البريطاني المعروف «برتراند رسل» بغرض التأكيد على حقيقة أنّ عبء الإثبات يقع على المؤمن لا على الملحد، حيث كتب يقول: «لو أنّي قلت إنّ هناك بين الأرض والمريخ إبريق شاي يدور حول الشمس في مدار بيضاوي الشكل، فإنّ أحداً لن يكون بمقدوره إثبات خطأ ما أقول عندما أضيف قائلا إنّ ابريق الشاي صغير جدا بحيث لا يمكن رصده بأقوى المناظير الممكنة»!

(3) الليبرالية

مفهوم «الليبرالية» مفهوم ملتبس، ومصدر الالتباس يعود إلى تشويه هذا المفهوم إلى الحدّ الذي أصبح فيه مترادفا مع الانحلال الأخلاقي، في حين أنّ الليبرالية تنتمي في أصل نشأتها إلى الميدان السياسي-الاقتصادي، لا إلى ميدان الأخلاق بشكل عام، فهي تشير إلى فلسفة سياسية تبلورت في عصر التنوير كاستجابة لنمو الدول القومية الحديثة في أوروبا، ومن المعروف أنّ الفيلسوف الإنكليزي «جون لوك» جعل حقّ أيّ حكومة في بسط سلطتها على حدودها مرهوناً بقدرتها على تأمين الحقوق الطبيعية لكل فرد يعيش داخل نطاق تلك الحدود: حقّ الحياة، وحقّ الحرية، وحقّ المُلكية الخاصة، وقد اتخذت الليبرالية الاقتصادية (الكلاسيكية) من حقّ الملكية الخاصة نقطة انطلاقها لتصل إلى أسطورة «اليد الخفية للسوق»، كما اتخذت الليبرالية السياسية (المعاصرة) من حقّ الحرية نقطة انطلاقها لتصل إلى ضرورة وقوف الحكومة على الحياد من قضية الحياة المثلى التي ينبغي لكل مواطن أن يعيشها، وأمّا كلمة liberal فيعود تاريخ استعمالها إلى القرن الرابع عشر، وقد ساهم هذا التاريخ الطويل في اتخاذ هذا الكلمة دلالات مختلفة، فهي قد تعني «الإنسان الحُرّ»، أي مَن ليس بعبد أو خادم، وفي هذه الحالة تكون مشتقة من المصطلح اللاتيني liber، وقد تأتي أيضا بمعنى «كريم»، كإشارة إلى هبات المحسنين من طبقة الأحرار تجاه الفقراء والمحتاجين، كما قد ترمز إلى الانفتاح العقلي بوصفها سلوكا اجتماعيا.

ليست هناك تعليقات: