الاثنين، 5 نوفمبر 2012

الكويت بين الحكمة والحماقة


إن هذا الشعب الحي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه شعب يتمتع بقدر كبير من الحكمة، فأمام اتهامات التخوين والعمالة للخارج، ظل هذا الشعب الكريم وفياً للعهد التاريخي الدستوري الذي يجمعه والأسرة الحاكمة، وأمام الخيار الأمني المفرط في استعمال القوة، مازال هذا الشعب يتحلى بقدر من ضبط النفس مثير للإعجاب.

بالرغم من كل ما قيل حول المظاهرات الشعبية العارمة التي تشهدها البلاد حاليا، وبالرغم من الأعمال الفردية المؤسفة التي حدثت هنا وهناك، فإن هذا الشعب الحي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه شعب يتمتع بقدر كبير من الحكمة، فأمام اتهامات التخوين والعمالة للخارج، ظل هذا الشعب الكريم وفياً للعهد التاريخي الدستوري الذي يجمعه والأسرة الحاكمة، وأمام الخيار الأمني المفرط في استعمال القوة، مازال هذا الشعب يتحلى بقدر من ضبط النفس مثير للإعجاب، وأمام المفردات البذيئة والعنصرية مثل “الغوغاء” و”الهيلق”، رفع الشعب شعار “المسيرة” بدلا من “المظاهرة”، وهو شعار محايد، فالمسيرة قد تكون احتفالية أو احتجاجية، وفي هذا الحياد تأكيد على الطابع السلمي للغضب الشعبي.
لا يضاهي حماقة الحكومة وقواتها الأمنية سوى حماقة أولئك المباركين للنهج القمعي، فمن المؤسف أن يعبّر البعض عن مصالحهم الطائفية من خلال الاصطفاف المعيب مع حكومة قمعية ويتناسون أحداث “مسجد شعبان” والمطالب المشروعة التي تم طرحها آنذاك، بل إنهم تناسوا المعنى العميق لمشاركة الدكتور أحمد الخطيب والأستاذ أحمد الديين وغيرهما من المخلصين في تلك الأحداث ومساندتهم لمطالبها المشروعة.
إن أبغض سمة من سمات النفس الطائفي عند كلا الطرفين، السني والشيعي، هي هذه الانتهازية المبنية على مصلحة الجماعة دون أدنى اعتبار لمغبّة الوقوع في تناقض صارخ، ويكفي عقد مقارنة سريعة بين رؤية كلا الطرفين حول الوضع في البحرين والوضع الداخلي.
من المخجل أيضا أن يجهل الموقعون على البيان المخزي لقيادات المنبر الديمقراطي المعنى العميق لخوض الدكتور الخطيب معترك الانتخابات البرلمانية في دائرة ضمت من بين مناطقها مدينة الجهراء والنجاح فيها. لقد اختزل الموقعون على ذلك البيان المعيب كل تفاصيل القمع البغيض لأهالي صباح الناصر في حادثة الدهس المؤسفة، بل إنهم لم يجدوا ضرورة في الإشارة إلى ذلك القمع لحفظ ماء الوجه على الأقل. إن أبرز سمة من سمات النفس العنصري هي هذه الأنانية المتجردة من الإنسانية، وما الإنسان العنصري إلا مريض نفسي، فالعنصرية تمنحه شعوراً زائفاً بالأهمية من خلال تضخيم الذات على حساب تحجيم الآخر، ذلك أن تضخيم الذات يؤدي تلقائياً إلى تحجيم الآخر، حتى لو جاء هذا التحجيم على شكل قمع سلطوي، أو قهر ممنهج، أو ظلم فاحش.
قد ينجح السيف في إرغام الآخرين على الإذعان لرأي السلطة، لكن السيف في حد ذاته لا يشكل دليلاً على صحة رأي السلطة. عندما وصل الفاشيون إلى الحكم بعد الحرب الأهلية الإسبانية، وقف الأديب الإسباني ميغيل أونامونو مخاطباً جنود الدكتاتور فرانكو: “ربما انتصرتم، لكنكم لن تفلحوا أبدا في إقناعنا بقوة السلاح”.

ليست هناك تعليقات: