الاثنين، 29 أكتوبر 2012

دستور منحاز ومتناقض


قبل 10 سنوات أو يزيد، كتبت مبدياً رأيي بأن دستور 62 إطار فاشل للعمل السياسي، ولم تزدني السنون إلا إصراراً على هذا الرأي، فهو دستور مليء بالتناقضات، إذ يضع نفسه في منزلة بين منزلتين، لا برلماني ولا رئاسي، مع ميل إلى النظام البرلماني، وهو في هذه الخصلة الوسطية شبيه بما يسمى بـ”الاقتصاد الإسلامي” الذي ليس له وجود إلا في مخيلة من ابتدعوه!

لنبدأ بمقارنة بسيطة بين المادة (71) والمادة (176) من الدستور الكويتي.
المادة (71): “إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على أن لا تكون مخالفة للدستور…”.
المادة (176): “صلاحيات الأمير المبينة في الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها في فترة النيابة عنه”.
لا أريد من خلال هذه المقارنة الإشارة إلى الجدل العقيم الذي يدور حالياً حول ما إذا كان المرسوم الذي يتعلق بتقليص عدد الأصوات الانتخابية مخالفاً للدستور، لكن أريد فقط الإشارة إلى حقيقة أن الدستور حصّن صلاحيات الأمير من العبث في فترة غيابه، ولم يفعل الشيء نفسه عندما يتعلق الأمر بصلاحيات الشعب، وهذه الحقيقة نتيجة طبيعية لدستور جاء في ظروف لم تكن فيها موازين القوى متكافئة بين السلطة والشعب.
قبل عشر سنوات أو يزيد، كتبت مبدياً رأيي بأن دستور 62 إطار فاشل للعمل السياسي، ولم تزدني السنون إلا إصراراً على هذا الرأي، فهو دستور مليء بالتناقضات.
لن أتحدث هنا عن بعض القوانين والتشريعات التي فيها انتهاك صريح لمواد الدستور، بل سوف أقتصر فقط على مواد الدستور ذاته، فدستور 62 ينتهك نفسه بنفسه!
هذا الدستور يضع نفسه في منزلة بين منزلتين، لا برلماني ولا رئاسي، مع ميل إلى النظام البرلماني، وهو في هذه الخصلة الوسطية شبيه بما يسمى بـ”الاقتصاد الإسلامي” الذي ليس له وجود إلا في مخيلة من ابتدعوه! دستور 62 يقرر في مادته السادسة والخمسين أن تشكيل الحكومة يتم عن طريق التعيين، بينما المادة السادسة تؤكد أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، وهذه معادلة مستعصية أشبه باستدلال “جولدباخ” الرياضي!
المادة السادسة من الدستور تقرر أيضا أن السيادة هي لـ”الأمة مصدر السلطات جميعاً”، لكنها تتدارك الأمر من خلال التأكيد أن سيادة الأمة تكون “حسب الوجه المبين بهذا الدستور”، وهذا الاستدراك يفرغ المادة برمتها من مضمونها “الديمقراطي”. قارن ما بين هذه المادة والمواد (51) و(52) و(53) من الدستور وسوف تعرف أين يكمن المصدر الحقيقي للسلطات جميعاً!
آن الأوان إلى الدفع باتجاه النظام البرلماني الكامل، ولن يحدث هذا إلا من خلال اتفاق متبادل بين الشعب والأسرة الحاكمة، فهذه الأسرة تحظى بإجماع عام عليها من قبل أطياف الشعب كافة، وهي ما زالت رغم كل الأحداث المؤسفة تشكل عامل استقرار لهذا الوطن، ولسنا نريد ملكية دستورية على الطريقة البريطانية، بل ملكية دستورية على طريقة مشابهة للنظام في إسبانيا مثلاً، فهناك يتمتع الملك بصلاحيات سياسية تؤمن استقرار البلد دون الإضرار بمفهوم الديمقراطية (أؤكد مرة أخرى، دون الإضرار بمفهوم الديمقراطية).

ليست هناك تعليقات: