الاثنين، 1 أكتوبر 2012

منطق الإشادة بنزاهة القضاء


ما إن أصدرت المحكمة الدستورية قرارها برفض الطعن الحكومي في قانون الدوائر الانتخابية حتى تعالت الأصوات من كل الجهات، المعارضة للحكومة والموالية لها على حد سواء، مشيدة بنزاهة القضاء الكويتي، لكن ما فات هؤلاء وأولئك- مع الأسف الشديد- هو أن هذه الإشادة تنطوي في حقيقة الأمر على تشكيك ضمني في نزاهة القضاء! كي أدلل على صحة هذه الحقيقة لا بد أولاً من تقديم شرح مبسط لحجة منطقية تعرف باسم “رفع التالي” أو modus tollens.
إذا كانت “س” ترمز إلى جملة “اليوم يوم عيد”، وإذا كانت “ص” ترمز إلى جملة “اليوم يوم عطلة”، فإن التقرير الشرطي “إذا س، فإن ص” يرمز إلى جملة “إذا كان اليوم يوم عيد، فإن اليوم يوم عطلة”. إذا سلمنا بصحة هذه الجملة كقانون عام، ثم اكتشفنا أن “ص” غير صحيحة، أي أن “اليوم لم يكن يوم عطلة”، فإن الاستنتاج المنطقي يشير إلى أن “س” غير صحيحة، أي أن “اليوم ليس يوم عيد”.
بمعنى آخر، التقرير الشرطي “إذا كانت س صحيحة، فإن ص أيضا صحيحة” يؤدي منطقيا إلى التقرير الشرطي “إذا كانت ص غير صحيحة، فإن س أيضا غير صحيحة”، ذلك أن كلتا الجملتين متساويتان أو متكافئتان من الناحية المنطقية.
على ضوء هذا المثال، يمكن لنا الآن أن نرى بوضوح السبب في أن الإشادة بنزاهة القضاء في موضوع الدوائر الانتخابية تنطوي في حقيقة الأمر على تشكيك ضمني في نزاهة القضاء، ذلك أن القول إن قرار المحكمة الدستورية الأخير دليل على نزاهة القضاء يشير في واقع الأمر إلى التقرير الشرطي التالي: “إذا كان القضاء نزيها، فإن المحكمة الدستورية سترفض الطعن الحكومي بقانون الدوائر الانتخابية”، مما يعني منطقيا أنه لو جاء قرار المحكمة مؤيداً للطعن الحكومي، فإن النتيجة الحتمية هي أن القضاء لم يكن نزيهاً!
من جهة أخرى، هل قرار المحكمة الدستورية الأخير يبرهن منطقيا على نزاهة القضاء؟ إذا أجاب القارئ عن هذا السؤال بـ”نعم”، فإنه سيرتكب مغالطة منطقية تعرف باسم “تأكيد التالي” أوaffirming the consequent، وهذا ما يتضح من خلال العودة إلى مثالنا السابق، فإذا سلمنا بصحة جملة “إذا كان اليوم يوم عيد، فإن اليوم يوم عطلة”، ثم اكتشفنا أن اليوم هو فعلاً يوم عطلة، فإنه من غير المنطقي أن نستنتج أن اليوم هو يوم عيد أيضاً، لأن أسباب العطلة لا تقتصر فقط على مناسبة العيد! بالمثل، إذا قبلنا بصحة جملة “إذا كان القضاء نزيها، فإن المحكمة الدستورية سترفض الطعن الحكومي بقانون الدوائر الانتخابية”، ثم جاء قرار المحكمة رافضا الطعن الحكومي، فإنه من غير المنطقي أن نصل إلى استنتاج يفيد بنزاهة القضاء، لأنه قد تكون هناك أسباب أخرى أدت إلى خروج قرار المحكمة بهذا الشكل، مثل تفادي ردة فعل الشارع السياسي.
إن نزاهة القضاء لا تقاس بنتائج أحكامه، بل بفحص الآلية التي يصل القضاء من خلالها إلى تلك الأحكام. عندما ندلل على نزاهة القضاء من خلال نتائج أحكامه، فإن المحصلة هي أن نزاهة القضاء تصبح عرضة للتشكيك الضمني أو التصديق اللامنطقي!

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

وددت لو أنها اقتصرت على هذه المغالطة فقط !!
يعجبني السرد المنطقي في طرحك دائما
بالتوفيق د.فهد

أشكر لك جهدك أخ ناصر..استمر