الأحد، 14 يوليو 2013

حول العلاقة بين الحرية والقانون


هناك ما لا يقل عن 200 تعريف لمفهوم الحرية في ميدان النظرية السياسية، لكن لا بدّ لنا من أن نبدأ بتعريف محدّد لهذا المفهوم، ثم نتعرّف بعد ذلك على وجه القصور في هذا التعريف، وهذا هو المهم، ذلك أنّ التعريف، مثل النظرية العلمية، لا تكمن أهميته في مدى كماله، بل في مدى قصوره.
الحرية هي الحالة التي لا يجد فيها أيّ فرد من الأفراد أيّ عائق من العوائق لتحقيق أيّ هدف من الأهداف. لاحظ أنّ هذا التعريف يتضمن علاقة ثلاثية الأطراف: فرد، وعائق، وهدف. لاحظ أيضا أنّ المقصود بالحرية هنا هي حرية الإنسان، لا الحيوان، أيّ أنها حرية تطمح إلى أكثر من مجرّد التكاثر وحبّ البقاء، كما أنّ المقصود بالعائق هو العائق البشري الذي يضعه الإنسان أمام أخيه الإنسان، لا العائق الناتج عن قوانين الطبيعة، فعندما لا أستطيع أن ألمس السقف بيدي لقصر قامتي، فلن أستطيع عندها القول بأني لست حرّاً في ملامسة السقف. أخيرا، المقصود بالأهداف أيّ هدف يرغب الإنسان في تحقيقه بصرف النظر عن مدى مشروعيته.
لعلّ القارئ قد لاحظ أين يكمن القصور في التعريف السابق، فالقول بأنّ الفرد حرّ في تحقيق أيّ هدف من الأهداف بصرف النظر عن مشروعيته سيؤدي حتما إلى شريعة الغاب، حيث يأكل القوي الضعيف، لكن لاحظ أنّ هذا يعني أيضا أنّ القصور في التعريف ليس مطلقاً، فالإنسان الذي يقيم لوحده على ظهر جزيرة، كالشخصيات الخيالية المعروفة مثل "حيّ بن يقظان" أو "روبسنون كروز" أو حتى "طرزان"، يتمتع فعلا بحريّة مطلقة حسب التعريف الذي نحن بصدده، كما أنّ بإمكاننا تخيّل مجتمع يعيش أفراده بلا سلطة عليا على طريقة المذهب الفوضوي، بحيث يكون التعايش فيما بينهم متناغما ومنسجما بالرغم من عدم وجود قانون، وفي هذه الحالة أيضا يصبح التعريف السابق خالياً من أيّ قصور.
لكننّا، في نهاية المطاف، نعيش في مجتمع، كما أننا لسنا ملائكة، وهذا ما يجعل فكرة القانون نتيجة حتمية، فإذا أردنا أن نزيد من فرصة وجود تعايش سلمي فيما بيننا، فلا بدّ من إيجاد قانون يحكمنا جميعاً، وهنا تكمن العلاقة بين القانون والحرية، ذلك أنّ كلّ قانون هو في حقيقة الأمر انتقاص من حرية الفرد، أو من عدد الخيارات المتاحة أمامه، في سبيل ضمان التعايش السلمي والعادل بين الجميع.
لا تخضع كلّ أنواع الحريات إلى رقابة القانون، فعلى سبيل المثال، ليس بوسع أيّ قانون أن يحدّ من حرية التفكير، ذلك أنّ العقل مُلكيّة خاصة؛ بمعنى أنه ليس بوسع أيّ إنسان أن يعرف معرفة تامة ما يدور في عقل إنسان آخر، مما يجعل إخضاع حرية التفكير إلى القانون عملية مستحيلة، لكن حرية التفكير ليست ذات قيمة إذا لم تترجم إلى حرية تعبير، ولعلّ القارئ يتذكّر حكاية ذلك الإمبراطور المغرور الذي خرج عارياً أمام شعبه من دون أن يتجرّأ أحد على ترجمة فكرة "الإمبراطور لا يرتدي شيئا" إلى جملة "الإمبراطور لا يرتدي شيئا"، عدا ذلك الطفل الذي صاح بأعلى صوته مردّدا "الإمبراطور لا يرتدي شيئا" لينفجر الجميع في ضحك صاخب! إنّ ترجمة حريّة التفكير إلى حرية التعبير أمرٌ في غاية الأهمية بالنسبة إلى تطوّر المجتمع، فما قيمة الأفكار في تغيير الواقع إذا لم يتم تبادلها على أرض الواقع؟
إذا كانت حرية التفكير ذاتية، فإنّ حرية التعبير اجتماعية، وهذا ما يجعل هذه الأخيرة خاضعة إلى رقابة القانون. لولا وجود قيم إنسانية متنافرة لما برزت الحاجة إلى وضع قانون يحدّ من حرية التعبير، لكن حجم هذا القانون يعتمد على درجة التسامح السائدة بين أفراد المجتمع الواحد، فكلمّا اعتدتُ سماع ما لا أحبّ أن أسمعه منك، ازداد مقدار حريتك في أن تقول ما تودّ قوله لي، والعكس صحيح، لكن ما زال بيننا– مع الأسف– أفراد لا يتورعون عن سرعة الانتقال من جملة "هذا الشخص يقول كلاما لا يعجبني" إلى جملة "على الحكومة أن تمنع هذا الشخص من الكلام"!

ليست هناك تعليقات: