الاثنين، 7 يناير 2013

وتستمرّ المسيرات المباركة

استخدام القوة عند الضرورة القصوى حق أصيل للسلطة، والتدرج في استخدام القوة من أبسط الواجبات الملقاة على عاتق السلطة، لكن التعسف في استخدام القوة ينزع عن أي سلطة شرعيتها! المسيرة السلمية لا تنتظر قانونا يُجيزها، بل قانون يحميها، فلا أحد يملك الحق في منع الناس من التعبير عن احتجاجهم على الانتكاس الذي تشهده الكويت في مسيرتها شبه الديمقراطية.


المشاركة في مسيرة احتجاجية تجربة فريدة من نوعها. إنّك تسير إلى جانب أشخاص لا تعرفهم، لكنك لا تلبث أن تألفهم، أشخاص مختلفون في أعمارهم وأصولهم وأفكارهم ومذاهبهم، مختلفون في كل شيء عدا السبب الذي دفعهم إلى المسير جنبا إلى جنب، يهتفون بشعار الكرامة، وينشدون لحن الحرية، ويستقبلون هراوات رجال السلطة بأجسادهم العارية! حتى أولئك الذين انضموا إلى المسيرة عن طريق الخطأ، أو المصادفة، أو لمجرد الفضول، لا يمكنهم إخفاء ذلك الشعور اللذيذ بالنشوة، نشوة ذوبان الفرد في تلك الجموع البشرية، كقطرة ماء تتلاشى في بحر هائج!
أعرف شخصا شديد الكبرياء، مغرقاً في الاعتداد بنفسه، موغلاً في عزلته الفكرية، شعاره في الحياة هو: "كلّما تزاحم الناس على شيء، عافته نفسي"، ورغم ذلك، شاهدته بأم عينيّ في إحدى المسيرات يهتف بأعلى صوته منادياً بحكومة شعبية!
بل إنّ هناك جيلا من الآباء والأجداد، ولاؤهم للسلطة بالفطرة، ونصيحتهم لأبنائهم كانت دوما "الشيوخ أبخص"، ثم تدور الأيام وإذا بهم يشاركون الشباب مسيراتهم، يؤازرونهم حيث تجب المؤازرة، ويواسونهم حيث تجب المواساة!
لن تفهم السلطة هذه التحوّلات الكبيرة في المزاج السياسي-الاجتماعي، ذلك أنّ السلطة التي لا تجد غضاضة في تعطيل حركة سير المرور لتأمين سلامة موكب وزير، ثم تتعذر في الوقت نفسه بتعطيل حركة السير عندما يتعلق الأمر بكرامة وطن، أقول إن مثل هذه السلطة لا يمكن لرجالها أن يفهموا ما يدور حولهم من تحولات خطيرة، وكأني بأحدهم الآن يجلس في أحد القصور المطلة على البحر، متسائلا: "لماذا لا يأكلون الكعك"؟!
استخدام القوة عند الضرورة القصوى حق أصيل للسلطة، والتدرج في استخدام القوة من أبسط الواجبات الملقاة على عاتق السلطة، لكن التعسف في استخدام القوة ينزع عن أي سلطة شرعيتها! المسيرة السلمية لا تنتظر قانونا يُجيزها، بل قانون يحميها، فلا أحد يملك الحق في منع الناس من التعبير عن احتجاجهم على الانتكاس الذي تشهده الكويت في مسيرتها شبه الديمقراطية. هذه ليست دعوة إلى الفوضوية، بل درء للدكتاتورية.
أكتب هذا المقال ولا أدري أيّ مصير ينتظر مسيرة "كرامة وطن 5"، ولكن في يقيني أنها ستكون مثل كل المسيرات السابقة، تبدأ بأمل، وتنتهي بخيبة أمل، لكن سرعان ما يتجدد الأمل لتنطلق بعدها المسيرة السادسة، والسابعة... والألف، إلى أن تدرك السلطة أن هذا الشعب حيّ لا يموت، منيع لا يتصدّع، عنيد لا يُساوَم، حرّ لا يُستعبَد، أبيّ لا يقبل الذل والمهانة.

ليست هناك تعليقات: