الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

(1+ 1= 2)

1+1= 2 هي بوّابة الدخول إلى علم الرياضيات، فهي أول قصة نحكيها للأطفال عندما نصطحبهم في جولة للتعرف على عالم مليء بالأرقام والرموز، ومثل كل القصص، هناك أكثر من طريقة لسردها، فتارة نقول إن 'تفاحة + تفاحة= تفاحتين'، وتارة أخرى نستبدل التفاح بنوع آخر من الفاكهة، لكن الطفل يدرك مع الوقت أن العبرة من كل هذه الطرق المختلفة في سرد القصة هي أن 1+1= 2، فهنا يكمن مغزى القصة، سواء أشار العدد 1 إلى تفاحة أو إلى أي شيء آخر!

هي معادلة رياضية سهلة، لكنها ساحرة، وعلامة سحرها تكمن في تلك الدهشة التي ترتسم على وجوه الأطفال عندما يكتشفون أن 1+1= 2. يقول الشاعر الإنكليزي 'ريتشارد هاريسون':

'مازلت أتذكر أول مرة بدأت فيها بتعليم طفلي الصغير هذه المعادلة. أتذكر، مثلا، كيف كان يشير بإصبع واحد في كفه اليمنى، ثم يشير بإصبع آخر في كفه اليسرى، وبعد ذلك تأتي لحظة الاندهاش، إنها لحظة فلسفية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، إنها اللحظة التي يكتشف فيها طفلي أنه بالرغم من انفصال الإصبعين من حيث المكان، فإنهما متحدّان في مفهوم واحد داخل الذهن: إنه العدد 2' (انظر كتاب The Great Equations، لمؤلفه 'روبرت كريز').

هي أيضا معادلة رياضية بسيطة، لكنها عظيمة، ودليل عظمتها هو أنها اختيرت ضمن أعظم عشر معادلات رياضية حسب نتائج استفتاء قامت به مجلة 'عالم الفيزياء' (انظر صحيفة 'الغارديان' البريطانية، عدد 6 أكتوبر 2004). هي أيضا معادلة عظيمة لسبب آخر، فمن خلالها نلج عالماً لامتناهياً من الأرقام، إذ يكفي فقط أن نضيف العدد 1 إلى المجموع لنحصل على العدد الذي يليه، ثم نعيد الكرّة إلى ما لا نهاية! قد يدرك بعض الأطفال هذه الحقيقة من حيث لا يعلمون، وأذكر مرة أني أشرت بإصبع السبابة لأسأل أحد الأطفال من أقاربي: كم هذا؟ فأجابني: 'واحد'، ثم أضفت إصبعا آخر وكررت السؤال، فأجابني: 'اثنان'، ثم أضفت من جديد إصبعا إلى الإصبعين لأسأله: وكم هذا؟ نظر إليّ مليّا ثم أجاب: 'هذا كثير'!

عندما نودّع عالم الطفولة، فإننا نودّع أيضا لحظات الاندهاش الأولى، ومن ضمنها تلك التي تشير إلى أن 1+1= 2. لم نعد نشعر بسحر هذه المعادلة وعظمتها، فهي تبدو بديهية إلى درجة أننا نشير إليها في أحاديثنا للدلالة على بساطة أي فكرة لا تستوجب شرحاً أو توضيحاً! لكن ما الذي يجعلنا واثقين من أنفسنا إلى هذا الحد؟ بمعنى آخر، من أين نستمد هذه الثقة المطلقة في صحة المعادلة التي تقول إن 1+1= 2؟ جزء من الإجابة عن هذا السؤال مرتبط بقدرتنا على التفريق بين نوعين من الجُمل. لننظر، مثلاً، إلى الجملتين التاليتين:

1- درجة غليان الماء تساوي 100 درجة.

2- مجموع زوايا المثلث المرسوم على سطح مستوٍ يساوي 180 درجة.

للتأكد من صحة الجملة الأولى، نستعين بإجراء تجربة لنرى ما إذا كان الماء يغلي فعلاً حين تصل حرارته إلى 100 درجة، لكن التأكد من صحة الجملة الثانية لا يستدعي الاستعانة بأي تجربة، فنحن لا نقوم بقياس زوايا كل المثلثات لإثبات أن مجموع زوايا المثلث يساوي دائما 180 درجة (باسثناء الهندسة اللاإقليدية)، بل يكفي فقط أن نحصل على تعريف محدد لكلمة 'مثلث' كي نقوم باستخلاص كل خصائص المثلثات من خلال برهان رياضي!

الجزء الآخر من الإجابة عن سؤالنا السابق مرتبط بقدرتنا على التفريق بين نوعين آخرين من الجُمل. لننظر من جديد إلى الجملتين التاليتين:

1- الذرّة ليست أصغر أشكال المادة.

2- كل رجل أعزب ليس لديه زوجة.

الجملة الأولى تضيف معلومة جديدة إلى معرفتنا للعالم من حولنا، خصوصا عندما نعرف أن الاعتقاد المغلوط بأن الذرة هي أصغر أشكال المادة كان سائداً لقرون طويلة، لذا فإن هذه الجملة تتطلب إجراء تجربة للتحقق من مدى صحتها! لكن في المقابل، الجملة الثانية لا تضيف شيئا جديداً إلى معرفتنا للعالم من حولنا، فكلمة 'أعزب' تتضمن معنى أن يكون الرجل من دون زوجة، ولهذا السبب لسنا في حاجة إلى إجراء تجربة للتحقق من صحتها، بل يكفي أن نقوم بتحليل مفردات الجملة فقط!

على ضوء هذين المثالين، نستطيع الآن أن نجيب عن السؤال أعلاه على النحو التالي: لدينا ثقة مطلقة بصحة المعادلة الرياضية 1+1= 2 لأنها معادلة تشير إلى جملة 'قبلية' a priori و'تحليلية' analytic، فهي جملة 'قبلية' لأننا نستطيع التأكد من صحتها عن طريق العقل فقط ومن دون اللجوء إلى التجربة، وهي جملة 'تحليلية' لأنها صحيحة من خلال تحليل مفرداتها، مثل مفهوم العدد وعملية الجمع وعلاقة التساوي. يرى معظم الفلاسفة (باستثناء 'كانط') أن المعادلة 1+1= 2 تشير إلى جملة قبلية وتحليلية، وهي صحيحة دائماً، سواء في هذا العالم الذي نعيش فيه أو في أي عالم آخر، إذ من المستحيل منطقياً أن نتخيل وجود عالم تكون فيه 1+1= 2 غير صحيحة!

ليست هناك تعليقات: