الاثنين، 24 أغسطس 2015

كم عمر «داعش»؟


حاول أن تربط بين تنظيم «داعش» والتراث الإسلامي فستلقى على الفور ردة فعل من معسكرين متناقضين: معسكر يميني يرى في نشأة هذا التنظيم مؤامرة على الأمة الإسلامية وتشويهاً لدينها، ومعسكر يساري يرى أن بروز هذا التنظيم ليس سوى نتيجة طبيعية للظروف الموضوعية التي تحكم الحقبة التاريخية الحالية! إذا أعدت الكرّة وربطت بين «داعش» والتراث الإسلامي فإنّ ردة الفعل هذه المرة ستكون أكثر قسوة، فالمعسكر اليميني سيتهمك بأنك متحامل على الدين وكاره له، والمعسكر اليساري سيتهمك بالسطحية والتعالي على الواقع الاجتماعي! من الواضح أنّ العامل المشترك هنا بين هذين المعسكرين المتناقضين هو نفي مسؤولية التراث الإسلامي عن نشأة «داعش»، أو على الأقل، عدم اعتبار هذا التراث عاملا مؤثرا في نشأة هذا التنظيم الإجرامي.

في مقال بعنوان «لغز الإعلام وخلافة داعش»، كتب الدكتور إبراهيم البيومي يقول: «ليس أمامنا فرصة للشك في أنّ هذا التنظيم صناعة أجنبية لنشر الفوضى في بلاد المسلمين، ولطعن الإسلام في أصوله الكبرى»! هذا الرأي المستند إلى نظرية المؤامرة تتبنّاه الأغلبية فيما يبدو، واستناد أيّ رأي إلى نظرية المؤامرة لا يجعل منه رأيا خاطئا بالضرورة، كما أن تبنّي أغلبية لأيّ رأي لا يجعل منه رأيا صحيحا بالضرورة، لكن إذا سلّمنا جدلا بأنّ «داعش» صناعة أجنبية تهدف إلى الطعن في الدين، فإنّ هذا معناه أننا نتحدث هنا عن «داعش» بوصفه تنظيما سياسيا، لكن ماذا عن «داعش» بوصفه أيديولوجية دينية؟ هل النصوص التي يتلوها جلادو «داعش» قبل قطع رؤوس ضحاياهم صناعة أجنبية؟ وهل حماس الآلاف من الشباب المسلمين للانضمام في صفوف هذا التنظيم الدموي صناعة أجنبية؟ وهل من المعقول أن يطعن «الإسلام في أصوله الكبرى» مَن كانوا مؤمنين إيمانا عميقا بتلك الأصول؟ من السهل اتهام أنصار «داعش» بأنّ إسلامهم «منحرف»، لكن ألم يكن من السهل أيضا على أنصار «داعش» اتهام خصومهم من المسلمين بأن إسلامهم «غير مكتمل»؟
قبل أسبوع أو يزيد، كتب الزميل د. بدر الديحاني على حسابه في «تويتر» يقول: «تجار الدين مجرد أدوات تستخدم لتبرير وضع سيئ وإشغال الناس بقضايا هامشية، ومن السذاجة التركيز على الأدوات بدلا من محركها كما يفعل بعض دعاة التنوير»، وقبل الزميل الديحاني كتب زميلنا الأستاذ حسن العيسى هنا في «الجريدة» مقالا بعنوان «قمع + فساد = داعش»، معنّفا من خلاله «الليبراليين» بسبب تفسيراتهم السطحية لنشأة الإرهاب الداعشي «بنهج نخبوي متعال عن واقع مجتمعاتهم»، ومؤكدا في المقابل «على أن الفساد زائد القمع ينتج داعش ودواعش من دون نهاية»، ومستشهدا في الوقت نفسه بعبارة للكاتب المعروف «روبرت فيسك» يقول فيها: «عندما تعذب شعبك كثيراً، فستملأ جراثيم داعش جروح هذا الشعب»!
لنسلّم– مجددّا– بأنّ كلّ ما ذكره الزميلان صحيح ولا غبار عليه، لكن– بالرغم من ذلك- تبقى هناك أسئلة مشروعة لا يبدو أنّ الزميلين معنيان بها، منها على سبيل المثال لا الحصر: قد يكون تجّار الدين أدوات في يد السلطان، لكن ما الذي يجعل التجارة بالدين أداة ناجحة في يد السلطة؟ وقد تملأ «جراثيم داعش» الفراغ الذي خلّفه الفساد والقمع معاً، لكن من أين جاءت هذه «الجراثيم»؟ وعلى ماذا كانت تقتات قبل أن تملأ هذا الفراغ؟
يبدو لي أنّ بعض المحاولات الرامية إلى فكّ الارتباط بين الإجرام الداعشي والتراث الديني تنطوي على استخفاف بقوّة الأفكار وأثرها على سلوك الإنسان ومصير الشعوب، ولعلّ من المفارقة أنّ «ماركس» نفسه لم يمنعه منهجه المادي في تفسير التاريخ البشري من الإيمان بقوة الأفكار وتأثيرها على سلوك الإنسان، حيث كتب مشبّها الأفكار بـ«الشياطين التي لا يستطيع الإنسان التغلّب عليها إلا من خلال الخضوع لها»! أضف إلى ذلك أنّ من الصعب تخيّل قيام الثورة البلشفية قبل ظهور أفكار ماركس، ومن الصعب كذلك تفسير قصر الفترة الزمنية بينهما من دون الاعتراف بسطوة الأفكار وأثرها على مجرى التاريخ.
أخيرا، ينبغي الاعتراف بأنّ «داعش» ليس سوى نسخة متطرفة لأصل موجود فعلا، وإذا كان عمره كتنظيم سياسي لا يتجاوز بضع سنوات، فإنّ عمره كأيديولوجية دينية يعود إلى مئات السنين من الخصومة مع العقل البشري، وهي الخصومة ذاتها التي جعلت من الدين تجارة رابحة، ومن أنصار «داعش» جراثيم قاتلة!

هناك تعليق واحد:

سلطان يقول...


بصراحه لم أشاهد ولا مرة أحد الدواعش ينفذ حكم رجمٍ أو إعدام بحق أي إنسان بناءً على آية من إنجيل متى أو مرقس !

ولم نسمع أحد قاداتهم يبدأ حديثه مستهلاً باسم الدستور الأمريكي أو بناءاً على بند من بنود المتفق عليها في مجلس الأمن الدولي !

ولكنها مبنية كلها على نصوص قومٍ لست أعرفهم !

لايزال يؤمن البعض -وهي مغالطة منطقية- بأن وجود جهة مستفيدة مما يجري في أي زمان ومكان يعني أن لها يد فيما حصل بل وقد يصل الأمر إلى الاعتقاد بأن هذه الجهة/المجموعة المستفيدة هي من صنعت / أوجدت هذا الأمر !

عموماً تسهيل جهات غربية، دعمها الخفي، تكاسلها من باب (ماجاء في الاحتمال) يجوز قبوله شريطة الإثبات، كما يقال: البيّنة على من ادّعى !