الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

الانتخابات الإسبانية ونهاية القطبية الثنائية


في يناير من عام 2014 شهدت الحياة السياسية الإسبانبة ميلاد حزب سياسي جديد حمل اسم Podemos أو "بوديموس"، وفي أقل من عامين حقق هذا الحزب الفتيّ انتصارات تجاوزت توقعات معظم المراقبين، منها حصوله على 5 مقاعد في الانتحابات الأوروبية التي جرت في مايو من عام 2014، أي بعد أربعة أشهر فقط من الإعلان عن تشكيل الحزب، وحصوله على المركز الأول من حيث عدد المنتسبين الرسميين إلى عضويته من بين الناخبين الإسبان حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، وأخيراً حصوله على المركز الثالث بعد أن حصد 69 مقعدا في الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا في إسبانيا.
 بعد إعلان النتائج الرسمية بات من الواضح أن الانتخابات الإسبانية الأخيرة أسفرت عن وأد القطبية الثنائية التقليدية بعد أن كان الحزب الشعبي (يمين) وحزب العُمّال الاشتراكي (يسار) يهيمنان على الساحة السياسية في إسبانيا منذ عام 1978، فإلى جانب "بوديموس" استطاع حزب Ciudadanos أو "مواطنون" حصد 40 مقعدا، ومع تأكيد هذا الحزب الأخير وقوفه في صف المعارضة أصبحت مهمة زعيم اليمين الإسباني "ماريانو راخوي" في تشكيل حكومة ائتلافية شبه مستحيلة، فالحزب الشعبي الذي يرأسه فشل في تحقيق الأغلبية المطلقة التي تتيح له حكم البلاد بعيدا عن تقديم تنازلات كبيرة لخصومه في صفوف المعارضة، ويبدو أن السيناريو القادم يسير في اتجاه عقد انتخابات مبكرة في ظل الاختلافات الحادة بين الأحزاب الأربعة الكبرى حول قضايا شديدة التعقيد، من ضمنها قضايا الاستفتاء العام في إقليم كاتالونيا وإصلاح الجهاز القضائي وتعديل النظام الانتخابي.
لم تكن عملية كسر هيمنة الحزبين التقليديين على نتائج الانتخابات الإسبانية أمرا سهلا، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار النظام الانتخابي غير العادل الذي ساهم في تكريس هذه القطبية الثنائية، فمن بين مثالب هذا النظام وجود تباين شديد بين الأحزاب الكبيرة والأحزاب الصغيرة من حيث عدد أصوات الناخبين التي ينبغي لكل حزب الحصول عليها نظير حجز مقعد في البرلمان، فعلى سبيل المثال، عدد الأصوات التي حصل عليها "بوديموس" يعادل نسبة 72 في المئة من عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب الشعبي، في حين أنّ عدد مقاعد "بوديموس" في البرلمان يوازي نسبة 56 في المئة من عدد مقاعد الحزب الشعبي، وهذه نتيجة متوقعة وغير عادلة في ظلّ وجود نظام انتخابي يكرّس من زيادة الفروق بين الدوائر الانتخابية من حيث الوزن النسبي للمقعد النيابي من جهة، ويرتكز على المعادلة الرياضية المعروفة بمعادلة "دهوندت" والتي من شأنها تفضيل الأحزاب الكبيرة على الأحزاب الصغيرة من جهة أخرى.
لكن ما حقيقة حزب "بوديموس" ومن يقف وراءه؟ وما الأسباب التي دعت إلى نشأة هذا الحزب؟ وما العوامل التي ساهمت في النجاح الباهر الذي حققه هذا الحزب في فترة وجيزة من عمره السياسي؟ ثم ما طبيعة العلاقة التي تربطه بأحزاب اليسار التقليدي في إسبانيا؟ وما أوجه الشبه بين "بوديموس" الإسباني و"سيريزا" اليوناني؟ وأخيرا، كيف استطاع هذا الحزب الفتيّ تجاوز هجمات التضليل والتشهير التي شنها ضده اليمين الإسباني من خلال ما يمتلكه من وسائل إعلامية ضخمة؟ سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في المقال القادم.  

ليست هناك تعليقات: