الأحد، 3 أبريل 2016

عفا عنها سيّدي!


قديما قيل إنّ توضيح الواضحات من المستحيلات، ومع ذلك لنجّرب توضيح النقطة التالية، وهي أنّ المسؤولية تكون دائماً بقدر السلطة، ولنبدأ بمثال بسيط: لنفترض وجود مزرعة يملكها شخص واحد ويعمل فيها مجموعة من الفلاحين، وهؤلاء ينقسمون في الغالب إلى فريقين، الفريق الأول عبارة عن أقلية تقع على عاتقها إدارة شؤون المزرعة ورسم سياسة العمل داخلها، والفريق الثاني عبارة عن أكثرية تقع على عاتقها تطبيق تلك السياسة على أرض الواقع، وأمّا المبدأ العام الذي يحكم العمل داخل المزرعة فهو إيمان الجميع بأنّ القرار الأول والأخير حول كيفية سير العمل في المزرعة يعود إلى مالكها، ولنر الآن كيف يتعامل الفلاحون مع مصير المزرعة في السراء والضراء.
 عندما تزدهر المزرعة وتفيض بخيراتها على الجميع، يُسارع الفلاحون إلى نسب الفضل إلى أهله، وهم بذلك محقّون، فالفضل كلّ الفضل في ازدهار المزرعة يعود إلى مالكها، فهو صاحب القرار الأول والأخير، وهذه السلطة المطلقة هي التي تخوّل له أن يكون المسؤول الأول والأخير عن ازدهار المزرعة، وإذا كان الجميع قد ساهموا في هذا النجاح، فإنهم لم يساهموا إلّا على هدي من مالك المزرعة وامتثالا لمشيئته.
لنقلب السيناريو السابق ولنفترض أنّ سوء الطالع كان من نصيب المزرعة التي ساءت أوضاعها واضمحلّت خيراتها، وفي هذه الحالة يسارع فريق الأكثرية من الفلاحين إلى إلقاء اللوم على فريق الأقلية ممن كيلت إليهم إدارة شؤون المزرعة، متهمين إياهم بالفساد أو الإهمال أو غيرهما من التهم التي تشي بمسؤولية الأقلية عن المصير البائس للمزرعة.
كلّ دولة يحكمها دكتاتور هي أشبه بتلك المزرعة، ففي كلتا الحالتين نحن أمام ظاهرة ازدواجية المعايير في التعامل مع المبدأ نفسه، فالدكتاتور مسؤول عن كلّ النجاحات والانتصارات، ولكنه بريء من أيّ فشل أو هزيمة، وهي براءة زائفة بطبيعة الحال، فمقدار السلطة لم يتغيّر في حالتي النجاح والفشل، وبذلك يبقى مقدار المسؤولية ثابتا في كلتا الحالتين.
في إحدى الدول العربية، اعتاد أحد الملوك السابقين الخروج في رحلة صيد مع حاشيته، وكان كلما نجح في إصابة الفريسة، صاح الجميع: "أصابها سيدي"، وكلما فلتت منه، صاح الجميع: "عفا عنها سيدي"! لهذا السلوك المزدوج اسم ظريف في كتب الأدب، وهو "حُسن التأدب مع الملوك"، ولكنه سلوك ينمّ في واقع الأمر عن خوف معيب، فهو تطبيق فعلي لمبدأ "لا تعاند مَن إذا قال فعل"، وهو المبدأ نفسه الذي يقف خلف ازدواجية التعامل مع علاقة مقدار المسؤولية بمقدار السلطة، حيث ينسب الشعبُ النجاحَ إلى الدكتاتور، وينسب الدكتاتورُ الفشلَ إلى شعبه!

ليست هناك تعليقات: