السبت، 11 فبراير 2012

الكويت وخريف الدكتاتوريات العربية

لا أدري من المسؤول عن إطلاق مصطلح “الربيع العربي” لوصف الثورات العربية التي هزّتولا تزال عروش بعض الأنظمة الشمولية في المنطقة، لكن في ظني أن هذا المصطلح يتضمّنحكماً سابقاً لأوانه على مجريات الأحداث في المنطقة، فمثلما أن فصل الربيع لا يحلّبمجرد انقشاع الغيوم وانكسار شدة البرودة، فإن “الربيع العربي” لا يحين بمجرد سقوطالدكتاتوريات والدعوة إلى انتخابات عامة، الربيع عملية بناء في الأساس، لا عمليةهدم، وما تشهده المنطقة العربية حالياً هو بداية أفول الأنظمة الشمولية، أو خريفالدكتاتوريات العربية إن جاز التعبير.عندما تتحول العملية الديمقراطية إلى عقداجتماعي يرتضيه الجميع بدافع المسؤولية التاريخية وبعيداً عن المصالح الآنيةالضيقة، وعندما يكون الرأي العام العربي حاضراً بقوة في كل قرار تتخذه الجامعةالعربية، عندها فقط يمكن الحديث عن “ربيع عربي”، لكن بعيداً عن المصطلحات ومدىدقتها، أريد من خلال هذا المقال إلقاء الضوء على بعض تداعيات الثورات العربية علىنظامنا السياسي في الكويت.هناك حجة تكررت كثيراً في الأشهر الماضية، خصوصاً فيبعض افتتاحيات صحفنا المحلية، ومفادها أننا في الكويت بمنأى عن “الربيع العربي”، أوأننا لا نحتاج إلى مثل هذا الربيع، وذلك لأننا ننعم بربيع ديمقراطي منذ عقود منالزمن! أتفهم جيداً هذا الخوف من التغيير من قِبل أناسٍ لطالما استفادوا من بقاءالأوضاع على ما هي عليه، لكن لا أحسب أصحاب هذه الحجة غافلين عن أوجه التشابهالصارخة بين الثورات العربية والحراك الشعبي الذي شهدته الكويت في الآونةالأخيرة.أولاً، هناك العنصر الشبابي ودوره الكبير في شحن الرأي العام وتقديمالتضحيات البطولية التي تستحق الإعجاب والإكبار. ثانياً، هناك الشعارات السياسيةالتي انصهرت جميعها في كلمة “اِرحل”! ثالثاً، هناك الحراك الشعبي العارم الذي أدىولا يزال إلى الإطاحة بأفراد لا يعبرون عن الإرادة الشعبية.في كتاب “المجتمعالمفتوح وأعداؤه”، يقسّم “كارل بوبر” الحكومات إلى نوعين: حكومات نستطيع التخلصمنها من دون إراقة للدماء وذلك من خلال صناديق الاقتراع، وهذه تسمى حكوماتديمقراطية، وحكومات لا نستطيع التخلص منها إلا بواسطة ثورات ناجحة، وهذه تسمىحكومات دكتاتورية. على ضوء هذا التقسيم، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: إلى أيالنوعين من الحكومات تنتمي حكومة “ناصر المحمد” التي أسقطها الشعب في ساحة الإرادة؟لا يمكن وصف تلك الحكومة بالحكومة الديمقراطية، لأننا ببساطة لم نستطع التخلص منهاعن طريق صناديق الاقتراع! لاحظ أن هذه الحقيقة تقطع الطريق أمام كل محاولة لإيجادنقاط اختلاف جوهرية بين الثورات العربية والحراك الشعبي المحلي، فالقول بأننا أقدمعهداً بالديمقراطية من دول الربيع العربي لا يجدي نفعاً، فالنظام السياسي الذي لايتيح لأفراد الشعب الحق في التخلص من حكومته عن طريق صناديق الاقتراع لا يمكن وصفهبأنه نظام ديمقراطي، والحق أنّنا لم ننعم بحكومة ديمقراطية منذ نشأة الكويت إلىيومنا هذا.الكويت ليست بمنأى عن الثورات العربية وتداعياتها، ولا يمكن فهمالحراك الشعبي الذي أسقط حكومة “ناصر المحمد” بعيداً عن تلك الثورات، كما لا يمكنفهم قرار السلطة في تخفيف شدة الاحتقان السياسي بعيداً عن مجريات الأحداث فيالمنطقة.أخيراً، إذا كان هناك من يرى في تشكيلة المجلس القادم أرضاً خصبةلتعديل المادة الثانية من الدستور، فإن قراءة نتائج الانتخابات في سياق الحراكالشعبي الذي أملى تلك النتائج بامتياز تشير إلى رؤية مغايرة: إن الأرض باتت خصبةحقاً، ليس لتعديل المادة الثانية من الدستور، بل لتطوير نظامنا السياسي من خلالتوسيع المشاركة الشعبية في السلطة.

ليست هناك تعليقات: