الاثنين، 28 سبتمبر 2015

الإسلام السياسي والمجتمع المدني


يقول عمر بن أبي ربيعة في بيته المشهور:

أيها المُنكح الثّريا سُهيلاً
عَمْرَكَ الله كيف يلتقيانِ؟!

فأمّا "سهيل" في مقالنا هذا فيشير إلى مشروع الإسلام السياسي، وأمّا "الثريا" فتشير إلى مفهوم المجتمع المدني، ولسهيل خطابه وأدبياته، وللثريا خِطابها وأدبياتها، والمتأمل في خطاب كلّ منهما يلاحظ أمرين: الأمر الأول، هو تباين الآراء حول مشروع الإسلام السياسي من جهة، وحول مفهوم المجتمع المدني من جهة أخرى، والأمر الثاني، هو أنّه مهما بلغ مشروع الإسلام السياسي من انفتاح على الآخر فإنه سيظلّ متعارضاً مع أوسع مفاهيم المجتمع المدني شمولاً للآخر! الأمر الأول ليس موضع جدال، لذا سنكتفي من خلال هذا المقال بتسليط الضوء على نظرتين متناقضتين حول هندسة المجتمعات البشرية.
المجتمع المدني عبارة عن صورة مثالية لمجتمعٍ لا وجود له على أرض الواقع، ولكن بالرغم من ذلك هناك مَن حاولوا ونجحوا إلى حدٍّ ما في خلق مجتمع أقلّ بربرية وأكثر إنسانية، وما كانوا لينجحوا لولا التسلّح بالعقلانية التي هيّأت لهم – أولاً – معرفة الهدف الأسمى من بناء أي مجتمع، وهيّأت لهم – ثانياً – اختيار المنهج الأمثل لبنائه، فأمّا الهدف الأسمى فيشير إلى التعايش السلمي والعادل بين أفراد المجتمع كافة، وأمّا المنهج الأمثل فلم يكن سوى المنهج العلمي الذي يعتمد على طريقة المحاولة والخطأ، وهي الطريقة التي تكشف عن احترام الدليل العلمي من جهة، وتأصيل التواضع المعرفي من جهة أخرى.
المعادلة الصعبة في أي مجتمع مدني تشير إلى محاولة إيجاد أنسب توازن بين حرية الفرد واستقرار المجتمع، وصعوبة المعادلة تكمن في حقيقة أنّ الحلّ يتطلّب قانوناً لا ينتزع من حرية الأفراد إلا ما هو ضروري لضمان التعايش السلمي والعادل فيما بينهم، ذلك أن الهدف الجوهري وراء فكرة «القانون» هو إيجاد علاقة متكافئة بين الفرد والمجتمع، والاختلاف الأساسي بين القوانين من دولة إلى أخرى يرجع إلى طبيعة التعامل مع هذه العلاقة، فعلى سبيل المثال، في الأنظمة الديموقراطية التي تستند إلى ليبرالية دستورية، هناك نزعة إلى عدم تعارض القوانين التي تسنّها الدولة مع الحريات الأولية للفرد، في حين أنّ النزعة السائدة في الأنظمة الشمولية هي نحو تقليص الحريات الفردية التي تتعارض مع الرؤية العامة للدولة.
عندما تكون الرؤية العامة للدولة عبارة عن أيديولوجية دينية، كما هي الحال مع كل مشاريع الإسلام السياسي، فإن هذا معناه انقلاب مباشر على العقلانية ورفض واضح للأخذ بأسبابها، وعندئذ لن يكون الهدف الأسمى من بناء المجتمع هو التعايش السلمي والعادل بين أفراده، بل بناء أمّة تسود الأرض وما حملت، وعندئذ كذلك لن يكون المنهج الأمثل لبناء المجتمع هو منهج العلم القائم على فضيلة التواضع المعرفي، بل هو المنهج الديني الذي يرتكز على يقين معرفي لا يقبل الشك!
لا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق لمعرفة السبب وراء أهمية دور منظمات المجتمع المدني في الدول الديموقراطية، وأهمية دور منظمات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في الدول الثيوقراطية، فالأولى تراقب السلطة لضمان عدم تعدّيها على مبدأ التعايش السلمي والعادل بين أفراد المجتمع الواحد، في حين أنّ الثانية تراقب الفرد لضمان عدم تعدّيه على مبادئ أمّة خُلقت لتسود! في المجتمعات المدنية، يتساءل الفرد عن مقدار الحرية التي ينبغي التنازل عنها في ظل صدور أي قانون جديد، ومثل هذا التساؤل غير وارد في المجتمعات الدينية، فمن ذا الذي يشّكك في أهمية صدور قانون يضمن انتقال الأفراد إلى عالم أفضل، لكن بعد الممات؟!

ليست هناك تعليقات: