الاثنين، 7 مارس 2016

إمّا مُنشقّ وإمّا مُنصاع


في الكويت، وبفضل مرسوم "الصوت الواحد"، فضاءان سياسيان، أحدهما ناشط ويزداد اتساعا، والآخر خامل ويزداد انحسارا، وقد جرت العادة في أن نرصد الاختلاف بين الناشطين والخاملين من حيث قرار المشاركة في الانتخابات النيابية أو قرار مقاطعتها، لكن يبدو لي أنّ الوضع العام يبلغ من السوء بحيث لم يعد الموقف من انتخابات نيابية كافيا لرصد الخطّ الفاصل بين الفريقين، فعندما تتأصّل ثقافة الامتثال في كل مناحي الحياة، من البيت إلى العمل، ومن الشارع إلى البرلمان، فإنّنا نكون بذلك أمام موقف من كلّ أنواع السلطة، وهو موقف لا يقبل القسمة إلاّ على اثنين: إمّا مُنشقّ، وإما مُنصاع.
نحن، إذاً، أمام ظاهرة تناقص أعداد المنشقّين في مقابل تزايد أعداد المنصاعين، ولسنا في حاجة إلى تبيان السبب وراء جاذبية الانصياع عندما يكون مقدار الاستفادة من السلطة بكلّ تجلياتها هو معيار الربح أو الخسارة، ولكننا في حاجة إلى الوقوف عند مظاهر هذا الانصياع بعد أن وصل إلى مرحلة متقدمة من حيث المستوى، ومقززة من حيث المضمون.
إذا كنتَ مُنشقّا، فلن تكون مؤهّلا للقيام بوظيفة تتطلّب قدرا كبيرا من الانصياع، والغالبية العظمى من الوظائف الحكومية في هذه الأيام هي من هذا الصنف، خصوصا وظيفة العمل في إحدى إدارات العلاقات العامة التابعة لأي وزراة أو مؤسسة حكومية، ومن الملاحظ أنّ تحوّلا كبيرا قد طرأ على وظيفة هذا النوع من الإدارات، فبدلا من الاكتفاء بإبراز عمل وزارة هنا أو مؤسسة هناك، أصبح الاهتمام منصبّا على تلميع صورة مَن يتربّع على هرم هذه الوزارة أو تلك المؤسسة، ولا يُخدم بخيل في ثقافة "حاضر طال عمرك"!  
لعلّ القارئ يتذكّر فيلم "مجتمع الشعراء الأموات" Dead Poets Society، وبالتحديد عندما طلب الأستاذ من تلاميذه في أوّل محاضرة أن يقف كلّ واحد منهم على الطاولة التي أمامه بدلا من الجلوس على الكرسي، فهذه الروح المتمرّدة والخلاّقة في آن واحد، هذه الروح التي تسمو بالإنسان إلى مرتبة احترام الذات، وتربأ به أن ينحدر إلى مهانة العبودية للآخر، هي الروح التي تحتضر في أيامنا هذه، وما إنْ تموت هذه الروح المتمرّدة حتى يسود فضاء الانصياع، حيث لا يُسمح بقول "لا" أو بالوقوف فوق الطاولة، وحيث لا خلاف ولا اختلاف، وعندها، عندها فقط، تموت السياسة بمعناها العميق، فما السياسة من دون اختلاف؟

ليست هناك تعليقات: