الاثنين، 21 مارس 2016

فتات الكعكة


في الأسبوع الماضي، أجرت وكالة الأنباء الكويتية "كونا" لقاء مع الدكتور فراس رعد، مدير مكتب البنك الدولي في الكويت، وقد دار اللقاء حول موضوع الساعة والمتمثل بما يسمى "الإصلاح المالي والاقتصادي"، وكما هو متوقّع، جاءت تصريحات الدكتور "رعد" داعمة للنهج الاقتصادي الحكومي الذي لا يخرج في خطوطه العريضة عن "روشتة البنك الدولي"، حيث وصف الإصلاحات الاقتصادية التي تنوي الحكومة القيام بها بأنها "ضرورية في إعادة رسم دور القطاع العام في الحياة الاقتصادية الوطنية وتهيئة الدولة والمجتمع للتعاطي ضمن بيئة اقتصادية جديدة"، وهي بيئة أبطالها رجال الأعمال ممن يؤيدون سياسة الحكومة في دعم "التخصيص وريادة الأعمال وسوق العمل وبيئة الاستثمار".
 الطريف في تصريحات الدكتور "رعد" إشارته إلى مبدأ "العدالة الاجتماعية" وآلية "توزيع الثروة الوطنية"، فمن ضمن القضايا التي دافع عنها في اللقاء الذي أُجري معه هاتان القضيتان: القضية الأولى مفادها أنّ الإنفاق الحكومي على الدعوم "لا يخدم غاية العدالة الاجتماعية"، ذلك "أنّ السياسات الداعمة للسلع والخدمات لا تفيد الطبقات الاقتصادية الأقل حظا بقدر ما تفيد الطبقات المتوسطة والعليا"، وأمّا القضية الثانية فتشير إلى أنّ سياسة التوظيف في القطاع الحكومي لم تعد تمثّل آلية صالحة لإعادة توزيع الثروة النفطية على المواطنين، إذ لا بدّ من "استحداث آلية جديدة" من خلال "حث المواطنين على الدخول في صفوف القطاع الخاص".
جاءت تصريحات الدكتور "رعد" متزامنة مع اعتماد مجلس الوزراء ما يسمى "وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي"، وهي وثيقة تضمنت سياسة اقتصادية نيوليبرالية ومنسجمة مع توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومن المؤسف أن يعطي مدير مكتب البنك الدولي دروسا في العدالة الاجتماعية للشعب الكويتي، خصوصا أنّ المؤسسة التي ينتمي إليها تتعّرض وما زالت إلى انتقادات شديدة حول دورها في انتهاك مبدأ العدالة الاجتماعية في العديد من الدول النامية والفقيرة، فمن المعروف أنّ الحلول التي يفرضها البنك الدولي على الدول المدينة لضمان سداد ديونها تنحصر في ما يُعرف ببرامج التكيّف الهيكلي، وهي برامج تفرض على الحكومات تقليص الإنفاق العام على الصحة والتعليم وغيرهما من القطاعات الحيوية في مقابل زيادة الدعم المقدّم للقطاع الخاص، كما أنها برامج تهدف إلى توجيه اقتصاد الدولة بطريقة تضمن زيادة معدّل التصدير الخارجي في مقابل خفض معدّل الاستهلاك المحلي، وهناك العديد من الدراسات الأكاديمية المنشورة التي تؤكّد مسؤولية هذه البرامج الاقتصادية عن انهيار نُظم مالية لدول بأكملها، وتزايد حجم الهوة بين الطبقات الفقيرة والطبقات الغنية، وتفشي البطالة وسوء التغذية، وتزايد معدّل الوفيات في صفوف الطبقة العاملة على وجه الخصوص.
أمّا فيما يتعلق بالقضية الأخرى والمتمثلة بسياسة التوظيف في القطاع الحكومي، فقد سبق أن كتبنا مرارا وتكرارا حول الوظيفة الحكومية بوصفها مجرد آلية لمعرفة نصيب المواطن من الثروة النفطية، ومع ذلك فإنّ الدعوة إلى "استحداث آلية جديدة لتوزيع الثروة" ليست سوى دعوة إلى الاستجارة من الرمضاء بالنار، ذلك أنّ "حثّ المواطنين على الدخول في صفوف القطاع الخاص"، حتى مع افتراض مبدأ تكافؤ الفرص في هذا القطاع القائم أساسا على العلاقات داخل منظومة السلطة، لن يساهم في تخفيف العبء على الميزانية العامة، فمن المعروف أنّ القطاع الخاص طفيلي في مجمله وغير منتج، كما أنّ استفادة هذا القطاع من الإنفاق العام أكبر بكثير من استفادة المواطن العادي، وبدلا من معالجة هذا التوزيع غير العادل للثروة، تأتي الحكومة لتزيد الطين بلّة من خلال اعتماد وثيقة مُنحازة اجتماعيا وبشكل سافر.
العوائد النفطية في دول الخليج أشبه بكعكة كبيرة، لا يصل فُتاتها إلى المواطنين والوافدين إلّا بعد أن ينقضّ عليها الآخرون قضما ونهشا، ومن ضمنهم "العم سام" والمستفيد الأكبر من الصناديق السيادية، وتجار السلاح، وأصحاب الوظائف العليا في الدولة، وأرباب القطاع الخاص، وبالرغم من ذلك كله، يأتي مَن يطالب المواطن والوافد بالاقتصاد في تناول فُتات الكعكة!

ليست هناك تعليقات: