الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

المعالجة السطحية للديمقراطية الكويتية

سنحتفل بعد سنوات قليلة بمرور نصف قرن على صدور الدستور، وبعدها بسنوات قليلة أيضاً، سنحتفل بمرور نصف قرن على إنشاء جامعة الكويت، ولعل أنسب طريقة للاحتفال بهاتين المناسبتين هي أن نعيد تقييم البحوث العلمية التي تناولت مسيرة الديمقراطية الكويتية، وذلك بغرض التعرّف على مدى مساهمة تلك البحوث في مساعدتنا على فهم تاريخنا السياسي. لو سلّمنا بقدرة البحوث العلمية على تجاوز المحيط الأكاديمي والتأثير في تشكيل الرأي العام، ولو قبلنا بحقيقة أن الرأي العام يفتقر إلى نظرة عميقة في فهم مسيرة الديمقراطية الكويتية، فإن النتيجة المنطقية هي أن البحوث العلمية هي المسؤولة عن المعالجة السطحية للديمقراطية الكويتية.
في روايته الخالدة 'الحرب والسلام'، يسخر الأديب الروسي الشهير 'تولستوي' من التفسير السطحي للأحداث التاريخية، حيث يرى أنه تفسير يعتمد على الربط بين الأحداث والأشخاص، من دون أدنى اعتبار للظروف الموضوعية التي تشكّل المحرّك الأساسي لعجلة التاريخ. إن أبرز سمات التفسير السطحي للتاريخ تكمن في الاعتماد على شخصية 'القائد العظيم' أو شخصية 'الدكتاتور الشرير'، فكلاهما مسؤول عن تحديد مسار التاريخ حسب هذه القراءة السطحية للأحداث التاريخية. بعبارة مختصرة، 'تولستوي' يخبرنا أن التاريخ لا يصنعه مجموعة من الأشخاص، مهما بلغت عظمتهم، ومهما بلغ جبروتهم.
لعل أبرز مثال على هذا النمط من التفسير السطحي للتاريخ هو ما نجده في كتاب 'الفهرست' لابن النديم، حيث نشاهد كيف تم ربط حركة الترجمة الأولى في التاريخ الإسلامي بشخصية الخليفة المأمون وزيارة 'أرسطو' للخليفة في منامه (انظر 'الفهرست'، صفحة 244). لو قبلنا بهذا التفسير السطحي لإحدى أهم حركات الترجمة في التاريخ الإنساني، فإن المحصلة هي أنه لولا زيارة 'أرسطو' للمأمون في منامه، لضاعت أغلب الأدبيات والعلوم اليونانية إلى الأبد!
لكن يبدو أننا مازلنا نتخذ من 'ابن النديم' مثالاً يحتذى به في فهمنا لتاريخنا السياسي، فعادة ما يتم الربط بين الديمقراطية الكويتية وشخصية الأمير الراحل عبدالله السالم، وهناك من يعتقد أنه كلما تعرفنا على ملامح هذه الشخصية، ازدادت قدرتنا على فهم الأسباب التي تقف خلف نشأة الديمقراطية الكويتية! إذا كنا ننسب الفضل في نظامنا الديمقراطي إلى شخصية 'القائد'، فهل من المستغرب أن نعقد آمالنا في استمرار الديمقراطية على شخصية 'القائد' أيضاً؟ بمعنى آخر أكثر تحديدا، شبح 'الحل غير الدستوري' يستمد قوته من هذا الربط السطحي بين شكل الحكم وهوية الحاكم، ولعل تعبير 'خصوصية الديمقراطية الكويتية' يشير في واقع الأمر إلى أن ديمقراطيتنا هبة أكثر منها حقا مكتسبا، وهي كذلك فعلا ما لم نتخلّص من هذا التفسير السطحي لتاريخنا السياسي (بودّي أن أسهب أكثر في توضيح هذه النقطة، لكن 'خصوصية الديمقراطية الكويتية' لا تسمح بذلك!)
هذه المعالجة السطحية للديمقراطية الكويتية لا تقتصر فقط على الجانب التاريخي، بل تتعدّاه إلى أبسط المفاهيم المرتبطة بأي نظام ديمقراطي. لنأخذ، على سبيل المثال، مفهوم 'إرادة الأمة' الذي يتردد كثيرا في الندوات السياسية، حيث يأتي عادة في سياق التذكير بأحداث تاريخية مثل تزوير الانتخابات والانقلابات السابقة على الدستور، أو في سياق الحديث عن مشكلات تقنية تتعلق بالعملية الانتخابية مثل تعديل الدوائر أو تجديد النظام الانتخابي. حسنا، لنفترض وجود انتخابات نزيهة خالية من شراء الأصوات أو تزوير صناديق الاقتراع، ولنفترض أيضا أن هذه الانتخابات النزيهة تمت وفق نظام الدائرة الانتخابية الواحدة، ولنطرح بدورنا السؤال التالي: هل يحق لنا أن نستنتج من هذه الحالة الافتراضية أن صناديق الاقتراع مرآة صادقة لإرادة الأمة؟ إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، فإن كل ما بوسعنا استنتاجه هو أن صناديق الاقتراع مرآة صادقة لأثر 'البروباغندا' بجميع أشكالها في توجيه الرأي العام وتحديد نتائج الانتخابات.
عندما يدلي أغلب المواطنين بأصواتهم الانتخابية تحت تأثير المذهب الديني أو الانتماء القبلي أو العائلي، فهل من المعقول أن نتحدث عن 'إرادة الناخب'، ناهيك عن 'إرادة الأمة'؟ من جانب آخر، نجاح إعلان تجاري في زيادة الطلب على منتوج معين يدلّ فقط على جودة الإعلان، لا جودة المنتوج! بالمثل، نجاح حملة انتخابية في زيادة الرصيد الانتخابي لمرشح معين يدلّ فقط على جودة الحملة، لا جودة المرشح! لكن لاحظ أن العامل المشترك بين الحالتين هو نجاح 'البروباغندا' في شلّ قدرتنا على التفكير، وغياب التفكير يعني غياب الإرادة!

ليست هناك تعليقات: