الاثنين، 14 أكتوبر 2013

التعليم بين التلقين والتفكير النقدي

للتعليم ركنان: المعلومة والتفكير النقدي، هذان هما جناحا التعليم، فمن دونهما لا يستطيع الطالب أن يحلّق في سماء المعرفة. هناك تركيز شديد في مناهجنا الدراسية على المعلومة في مقابل إهمال كبير للتفكير النقدي، حتى عملية نقل المعلومة من الأستاذ إلى الطالب تشوبها عيوب كثيرة، أبرزها مشكلة الأدلجة التي أشرنا إليها في المقال السابق، فإذا كان التعليم عبارة عن عملية نقل لمعلومة من طرف إلى طرف آخر، فإنّه ليس من حقنا أن نجبر طالباً على تعلم معلومة لا نملك لها دليلاً منطقياً أو مادياً. لو طبقنا هذا المبدأ البسيط لتم اختزال مناهجنا الدراسية إلى العُشر أو أقل من ذلك بكثير، وهنا تحديداً تكمن كارثة التعليم.
النظام التعليمي عبارة عن مرحلة تأهيل لخوض معترك الحياة، وليس ثمة سلاح أكثر كفاءة لهذا الغرض من سلاح ملكة التفكير النقدي. نريد نظاماً تعليمياً ناجحاً لأننا نريد عقولاً حرة ومتحرّرة من كل أنواع الاستغلال والعبودية، فالتفكير النقدي، على العكس من التلقين، يتيح للطالب أن يختبر مفاهيم في غاية الحيوية كمفهوم الدولة، أو الدين، أو الوطنية، أو القبيلة، أو الأسرة، بدلاً من قبول هذه المفاهيم على علاتها. يقول برتراند رسل: "إنّ النظام التعليمي الذي يعتمد على التلقين ينتج نوعين من الأفراد، الخادم المطيع والسيد المستبد، ذلك أن هذا النوع من التعليم يقود إلى الاعتقاد الخاطئ بأن علاقة التعاون بين شخص وآخر ليست ممكنة إلا عندما يصدر أحدهم الأوامر، بينما يقوم الآخر بتنفيذها".
هناك أمثلة عديدة على النتائج السلبية لهذا المستوى المتواضع لنظامنا التعليمي، لكني سأكتفي بمثالين فقط. المثال الأول يشير إلى حقيقة أنّ مخرجات التعليم الرديئة لا تجبر أستاذ الجامعة على أن يرفع من مستوى أدائه الأكاديمي، فهو واثق أنه لن يتلقى من طلبته أسئلة من العيار الثقيل تجبره على إعادة النظر بهذا الكم الهائل من الدروس المكررة، والنتيجة المنطقية هي انتقال عدوى التعليم الرديء من المدرسة إلى الجامعة.
المثال الآخر يتعلق بحقيقة أن غياب النقاش العلمي داخل أروقة المدارس مرتبط بشكل وثيق بفقر الأبحاث العلمية على المستوى الجامعي، فالطالب الذي لم يتعوّد النقاش وطرح الأسئلة لن يكترث لاحقاً بالنقاش وطرح الأسئلة مهما بلغ مستواه التعليمي. لنأخذ مثالاً على غياب النقاش الفكري داخل الوسط العلمي، فمن المعروف أن الأستاذ صالح العجيري يصدر سنوياً تقويما يحمل اسمه، ومن يقرأ هذا التقويم يجد فيه تنبؤات بحالة الطقس خلال سنة كاملة• من جانب آخر، دأبت وزارة التعليم العالي في الكويت على إرسال العديد من الشباب الكويتي لدراسة علم الأرصاد الجوية في أعرق الجامعات الأجنبية، ورغم ذلك، لم نسمع أو نقرأ عن نقاش أو حتى اعتراض على تقويم الأستاذ العجيري من الناحية العلمية، فالمعروف علمياً أنه من الصعب التنبؤ بحالة الطقس لأكثر من خمسة أيام متتالية على أكثر تقدير، وإذا كان من السهل أن نلتمس العذر للأستاذ العجيري إن لم يسمع بالعالم "لورينز" أو بنظرية "الفوضى"، فما السبب وراء هذا الصمت لكل تلك الأجيال المتعاقبة ممن درسوا علم الطقس الحديث؟

ليست هناك تعليقات: