الجمعة، 31 يوليو 2009

صفحات من دفتر الذاكرة 7

مطار 'هيثرو' مزدحم، كالعادة! الأوروبيون يقفون على اليسار، وبقية الكائنات البشرية تقف على اليمين: انحرفت يميناً ووقفت في الطابور. جاء دوري فقدمت جوازي إلى المسؤول. سألني عن سبب المجيء إلى هنا، فأخبرته أني في بعثة دراسية. سألني من جديد عن التخصص الدراسي، ومكان الجامعة، ومدة الدراسة. أجبت عن كل الأسئلة، لكن يبدو أني، لسبب ما، فشلت في أن أنال ثقته بي! طلب مني أن أنتظر في غرفة صغيرة، وبعد مرور خمس دقائق، جاء مسؤول آخر للتحقيق معي! وجّه لي هذا المسؤول أسئلة سخيفة، منها مثلاً: ما رأيك في الحرب الأخيرة واحتلال العراق؟! حاولت أن أعبّر عن رأيي في الحرب بكل صراحة، ثم قاطعني ليسأل:
- هل سبق أن زرت العراق؟ ومتى؟
- نعم، دخلت العراق في العام الماضي، مع بداية الحرب، ومكثت هناك مدة ستة أشهر تقريباً!
- هل تعي ما تقول؟ هل أنت في كامل قواك العقلية؟!
- نعم!
سألني عن السبب وراء دخولي العراق، فأخبرته أني كنت مترجماً متطوعاً في الجيش البريطاني. نظر إليّ بارتياب، كان واضحاً أنه لم يصدق كلمة واحدة مما قلت! يبدو أنه لا يتخيل دخول عربي إلى العراق إلا لغرض الإرهاب! خرج من الغرفة بعد أن أخذ جوازي وطلب مني أن أنتظر! لا أحب الانتظار. فتحت حقيبتي. دفتري الأزرق الصغير محشور بين كتابين. أخرجته، فتحته، قرأت:
'صباح العشرين من مارس من عام 2003 لم يكن كأي صباح: بدأت الحرب!... 'بو علي' يحرِّض الجميع على التراجع! يصيح أحد الجنود: غاز، غاز، غاز! صاحب 'الدشداشة' يسألني: هل تؤمن؟! الضابط الكبير يدخن غليوناً، ويتحدث عن 'المهمة الإنسانية'! صاحبي يجلس إلى جانبي ليقول: 'من سيدلك على أماكن الخنادق غيري، يا أعمى؟!'
عاد المسؤول، فتوقفت عن القراءة. أعاد لي جواز السفر ليقول: 'شكراً للانتظار، بإمكانك الآن دخول بريطانيا'! خرجت لأبدأ رحلة جديدة من الذكريات، أما ذلك الدفتر الأزرق، وبالرغم من أنه مليء بتفاصيل تجربة غنية بالأحداث والأشخاص والأماكن، فقد فضّلت أن أتركه مغلقا منذ ذلك اليوم، ومَن يدري؟ لعلي أعود بعد حين لأكمل قراءته من جديد!

ليست هناك تعليقات: