الأربعاء، 29 يوليو 2009

دعوة إلى مقاطعة الانتخابات

أفهم جيداً هذا الحماس الشعبي الذي يصاحب عادة أجواء الانتخابات البرلمانية في الكويت، وهي أجواء تنتشر فيها الشعارات الفارغة من المضمون، ويتداول فيها الناس قصص التحالفات والغدر والرشوة وغيرها، وهذه كلها أمور تغذي أصحاب العقول الصغيرة من متابعي أفلام «الأكشن»! ليس لدينا في الكويت تراث ديموقراطي حقيقي، وليس لدينا قوى سياسية ناضجة، وليس لدينا معارضة سياسية قوية، مما يعني أن التنافس في الانتخابات البرلمانية هو مجرد تنافس في مستوى الطموح الفردي عند أشخاص يقف بعضهم على خشبة المسرح، ويقف بعضهم الآخر خلف الستارة! هناك بطبيعة الحال مصالح متضاربة، لكنها مصالح لا تحمل بين طياتها رغبة صادقة في بناء دولة مدنية حديثة، فهذه الرغبة غير متوافرة لدى الأسرة الحاكمة، وغير ملموسة في ممارسات التيارات السياسية كافة!
أدانت بعض التيارات السياسية إقامة الانتخابات الفرعية وطالبت الحكومة بالتصدي لها، ومع الاعتراف بأن الانتخابات الفرعية تقوم على فكرة بدائية مثل فكرة «القبيلة»، إلا أني لا أجد اختلافا كبيرا بين التنظيمات القبلية وتياراتنا السياسية، فكلاهما يفتقر إلى طرح فكري واضح ومشروع سياسي ناضج. الطريف في الأمر هو أن بعض الأحزاب الدينية، مثل «حزب الأمة»، تدين «الفرعيات»، وحجتها في ذلك هي أن القبيلة يجب أن تقتصر على الجانب الاجتماعي وتبتعد عن السياسة! لكن إذا كان «تسييس القبيلة» يساهم في تفكيك الدولة من الداخل، فإن «تسييس الدين» يلغي الدولة المدنية برمّتها! هنا تحديدا يكمن السبب في أن الكويت لم تكن طوال تاريخها الحديث دولة مدنية، لأن القبيلة والدين حاضران بقوة على المسرح السياسي.
هناك أيضا دعوات إلى عدم الاكتفاء بالدوائر الخمس والمطالبة بدلا من ذلك بالدائرة الانتخابية الواحدة، ولست أدري حقيقة متى نكف عن ربط الوضع السياسي المزري في الكويت بصناديق الاقتراع! لكن لنفرض جدلا وجود دائرة انتخابية واحدة، ولنفرض أيضا اختفاء ظاهرة شراء الأصوات، فهل سيؤدي ذلك إلى نضوج تجربتنا الديموقراطية في الكويت؟ المشكلة أعمق من ذلك بكثير وأبعد زمنيا أيضا، فبدايات المشكلة تعود إلى أيام الأمير الراحل عبدالله السالم وانتهاء الحماية البريطانية، إنها تعود أولاً إلى حقبة تم فيها شراء ولاء بعض التجار عن طريق منح الوكالات التجارية والأراضي وغيرهما من الامتيازات، وهو أمر ساهم من دون شك في إضعاف المعارضة السياسية التاريخية في الكويت، و تعود ثانياً إلى حقبة تم فيها شراء ولاء بعض أبناء الطبقات الكادحة عن طريق التجنيس، وهو أمر أدى من دون شك إلى سيادة عقلية العشيرة، وتعود ثالثا إلى حقبة بدأت فيها السلطة الحاكمة بالتحالف مع التيار الديني وتمكينه من خزائن الدولة ومقدراتها، وهو أمر ساهم بكل تأكيد في إخضاع الدستور إلى نصوص الدين! في جميع هذه الحالات نجحت الأسرة الحاكمة في تعزيز سلطتها السياسية، لكنه نجاح جاء على حساب بناء دولة مدنية حديثة، فعندما تفتقر الكويت إلى معارضة سياسية مسؤولة وقوية، وعندما تسود الكويت عقلية العشيرة وشيخ القبيلة، وعندما تحكم الكويت المادة الثانية من الدستور فقط، فإن من المستحيل أن تصبح الكويت دولة مدنية حديثة!
أجواء الانتخابات البرلمانية في الكويت حافلة بقصص الدسائس والقيل والقال، وتزخر بشعارات التمسك بالدستور وإدانة الحكومة بل شتمها أيضا، لكنها تخلو من نقاش ضروري حول مواضيع مستحقة، من أهمها تحديد الخط الفاصل بين الدين والدولة وصون حقوق الأقليات واحترام حقوق الإنسان. سمعنا وسنسمع شعارات من مرشحين يدعون إلى ضرورة الالتزام بالدستور، لكننا لم نسمع قط عن موقف هؤلاء المرشحين من اختراق الدستور من خلال الدستور نفسه! في المرة القادمة، عندما تحضر عزيزي القارئ ندوة للاستماع إلى أحد المرشحين المطالبين بالالتزام بالدستور، أرجو منك أن تطرح عليه السؤال التالي: ما موقف المرشح، في حالة نجاحه، عندما يصدر البرلمان قانونا يستند إلى المادة الثانية من الدستور ويتعارض مع بعض المواد الأخرى؟ ليس من مصلحة أي مرشح يدعي الدفاع عن الدستور أن يخوض في مثل هذه المواضيع، خصوصا في فترة الانتخابات، لأن مثل هذه الفترة تحتم على المرشح أن يختار خطابا مناسبا لا يختلف عليه اثنان، والخطاب الذي لا يختلف عليه اثنان يزيد حتما من فرص النجاح!
على ضوء ما تقدم، أدعو بصدق كل مواطن ليست لديه مصلحة شخصية من العملية الانتخابية، ويحترم عقله في الوقت نفسه، أن يقاطع الانتخابات القادمة، فمن دون وجود ضمان حقيقي لبناء كويت مدنية حديثة، لا أجد سببا يدفع الناخب إلى أن يكون مجرد عتبة على سلّم الطموح الفردي الجامح لمرشح يحلم بالجلوس على كرسيّ وثير تحت قبة البرلمان!

ليست هناك تعليقات: