الخميس، 30 يوليو 2009

العقل ملكية خاصة

إنْ لم تخُني الذاكرة، لعله «تولستوي» مَن كتب يقول: «لو كان عقل كل إنسان كتاباً مفتوحاً يقرؤه الجميع، فإن المحصلة هي أن علاقات صداقة قديمة ستنتهي على الفور»! بإمكاننا إعادة صياغة هذا الاقتباس حسب ظروف البيئة التي نعيشها، فلو كان القارئ، مثلاً، يعيش في دولة بوليسية تملي عليه نوعية الأفكار السياسية المسموح بتداولها، أو دولة دينية تفرض عليه نوعية الأفكار الدينية المسموح باعتناقها، فإن الاقتباس أعلاه سيأتي على النحو التالي: «لو كان عقل كل إنسان كتاباً مفتوحاً يقرؤه الجميع، فإن المحصلة هي أن أرواحاً بشرية ستزهق على الفور»! من نِعَم الطبيعة أن جعلت عقل الإنسان ملكية خاصة به وحده، فليس بمقدور أي إنسان أن يطّلع بشكل مباشر على ما يدور في عقل إنسان آخر.
هناك، بطبيعة الحال، طريقان غير مباشرين للتعرف على عقول الآخرين، وهما اللغة والسلوك، فمن خلال أقوال الآخرين وأفعالهم نستطيع الاستدلال على ما يدور في عقولهم، لكنه مجرد استدلال وليس استنتاجاً، فكل استدلال كما نعلم يؤدي إلى نتائج محتملة فقط، وأما الاستنتاج فيؤدي إلى نتائج حتمية. قد أمتدح رواية كتبها صديق، وقد أصفق له بحرارة، لكن ليس بوسع صديقي أن يتخذ من المديح والتصفيق دليلا على أن فكرة «ما أجملها من رواية» موجودة في عقلي، فقد يكون العكس هو الصحيح، وعندما يصر صديقي على أن أقوالي وأفعالي مجرد مرايا صادقة لما يدور في عقلي، فإن المحصلة هي أنه ينفي وجود مفاهيم مثل الكذب والنفاق!
من هنا نصل إلى استنتاج مهم: لو كان عقل الفرد ملكية عامة، أي لو كان العقل كتاباً مفتوحاً يقرأه الجميع، فإن من المستحيل تخيل وجود مفاهيم مثل الكذب والنفاق. صياغة الاستنتاج بهذا الشكل قد تدفع القارئ إلى الاعتقاد بأن العقل كملكية خاصة هو السبب وراء وجود الكذب والنفاق، وهذا اعتقاد خاطئ، فقد أحتفظ بفكرة خاصة من دون أن أعبر عن نقيضها قولاً أو فعلاً!
العقل ملكية خاصة، هكذا أُريد للعقل أن يكون، وهذه نعمة لكل فرد مقهور في مجتمع قاهر، ولكل مواطن مظلوم في دولة ظالمة، ولكل إنسان ذكي في بيئة غبية! ربما أجبروك، عزيزي القارئ، على أن تصدّق أساطيرهم وخرافاتهم، ربما أرغموك على أن تلبس ما يلبسون، وتأكل ما يأكلون، وتمشي كما يمشون، لكنهم لن يستطيعوا مهما حاولوا أن يسلبوك فكرتك الخاصة بك وحدك، فمملكة العقل عصيّة منيعة، ومن داخل أسوارها يمكنك أن تسخر منهم جميعاً!

ليست هناك تعليقات: