الخميس، 30 يوليو 2009

مجتمع محافظ؟

خلال الأيام القليلة الماضية، كنت في زيارة سريعة إلى الكويت، وبينما كنت أقود سيارتي على طريق جمال عبدالناصر، لاحظت وجود سيارة متوقفة على طرف الطريق وبقربها شخص يلوّح بيده طلبا للمساعدة. لم يمنعني من الاستمرار في طريقي سوى تأنيب الضمير، فركنت سيارتي جانباً! أخرجت صندوق عدة السيارة وناولته إيّاه، فشرع في تغيير عجلة سيارته. كان هادئا جداً، وبعد دقائق قليلة عرفت أنه مهندس هندي يعمل في إحدى الشركات الخاصة، ويتحدث الإنكليزية بطلاقة.
يرى الأجنبي عادة ما لا يراه أصحاب الدار، وانطلاقاً من هذه الحقيقة، سألته عن تجربة العيش في بلد مثل الكويت. أجابني متردداً: «الكويت بلد جميل...»، ثم التزم الصمت! أثار فضولي هذا الصمت المريب، فألححت عليه أن يعطيني رأيه بكل صراحة.
أخرج المنديل من قميصه ليمسح العرق من فوق جبينه، ثم أجابني قائلا: «قد لا يعجبك ما سأقوله لك، ولكن لاحظ أني أنفذ رغبتك! الكويت فعلاً بلد جميل، هذا مع استثناء حالة الطقس بطبيعة الحال، ولكن أكثر ما يثير استغرابي في هذا البلد هو الشعب! لا أدري لماذا يصر الكويتيون على عزل أنفسهم اجتماعيا عن الوافدين! قد يكمن السبب في أن المجتمع الكويتي مجتمع محافظ، وطبيعة المجتمعات المحافظة هي الانغلاق والانكفاء على الذات، لكني وبكل صراحة أشكك في أن يكون هذا المجتمع محافظاً، إنما الحقيقة تشير إلى أنه مجتمع يعيش حياة مزدوجة، حياة تشبه لوحة سيريالية يختلط فيها الحلم بالواقع! إنكم تخشون بعضكم بعضا في العلن، وتفعلون ما يحلو لكم في السر، فأنتم تحرصون على أن يكون السطح ناصع البياض، وأما هناك في الأعماق فلا يهم ما لون الصخور!».
أدركت أن مُحدّثي من العيار الثقيل، فقررت التنازل عن الأسئلة السطحية المباشرة واستبدالها بأسئلة تليق بمقامه! سألته مبتسماً: «لست أجادل في حقيقة وجود نفاق اجتماعي واسع النطاق، لكنك تشكك في وجود مجتمع كويتي محافظ من دون أن يستند هذا الشك إلى دليل ملموس؟»، أجابني بنبرة اختلط فيها الخبث بالتحدي: «لسنا في حاجة إلى دليل، إنما نحتاج فقط إلى حرية التعبير! أنت تعلم أن كل بيت كويتي يحتوي على خادم أو خادمة على أقل تقدير. حسناً، ماذا لو طلبنا، مثلاً، من كل الخدم في الكويت أن يكتبوا مذكراتهم الشخصية لينشروها في الصحف الكويتية، فهل تعتقد أن المجتمع الكويتي سيظل متمسكاً بأسطورة «المجتمع المحافظ» بعد قراءة تلك المذكرات؟!».
أعترف بأني استمتعت كثيراً في الحديث مع هذا الوافد الأجنبي، فقمت مباشرة بتدوين اسمه ضمن قائمة «الأصدقاء الجدد»! إن أبرز ما يميز الأحاديث الممتعة هو أنها لا تنقضي إلاّ بعد أن تضمن أن عدد الأسئلة في رأسك أكثر من عدد الأجوبة!
توجهت إلى سيارتي متباطئاً، وبينما كنت أضع المفتاح في باب السيارة، انطلق جهاز إنذار سيارتي! شعرت بحرج شديد من هذه الضجة التي أزعجت الآخرين، حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أنسحب بسرعة من ضجة الشارع والعيون الغاضبة إلى سكينة عالمي الخاص داخل السيارة، لكن أكثر ما أثار استغرابي هو أن صوت جهاز الإنذار يشبه إلى حد كبير صوت منبه الساعة بالقرب من سريري!

ليست هناك تعليقات: