الخميس، 30 يوليو 2009

ما وراء اجتماع جدة للطاقة

لنبدأ بسؤال المليون: ما السبب وراء الارتفاع الصارخ والمستمر في أسعار النفط؟ لا يوجد هناك اتفاق على إجابة محددة، فالأسباب التي يقدمها خبراء النفط متعددة ومتباينة، منها على سبيل المثال: ارتفاع مستوى الاستهلاك بالنسبة إلى مستوى الانتاج، وحالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وانخفاض قيمة الدولار، وتنامي عمليات المضاربة في السوق النفطية. هناك أيضاً أنباء تشير إلى وجود سياسة نفطية احتكارية تقف وراءها أطراف مستفيدة، الأمر الذي أجبر الدول الصناعية الكبرى على تكليف صندوق النقد الدولي بإجراء تحقيق حول هذا الموضوع وإعداد تقرير بشأنه مع مطلع أكتوبر المقبل.
في الأسبوع الماضي، دعت المملكة العربية السعودية الدول المنتجة والمستهلكة للنفط إلى «اجتماع جدة للطاقة»، ومن المقرر أن يعقد الاجتماع في الثاني والعشرين من يونيو الجاري. الهدف المعلن من الدعوة هو بحث الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، وأما الهدف غير المعلن فيشير إلى رغبة ملحة في استخراج «شهادة براءة» تؤكد على إخلاء مسؤولية دول «أوبك»، وعلى رأسها راعية الاجتماع، من ارتفاع أسعار النفط، فالمملكة العربية السعودية سبق تأكيدها أن عمليات المضاربة في الأسواق النفطية هي التي تقف وراء ارتفاع الأسعار، وأن سعر البرميل لا يعكس حقيقة العلاقة بين العرض والطلب، كما أكدت أيضاً عدم وجود شح في الانتاج، فهناك فائض من ناتج النفط بواقع نصف مليون برميل يومياً!
اجتماع جدة للطاقة يأتي في ظل ضغوط أجنبية على منظمة «أوبك» وتحميلها المسؤولية المباشرة في وصول سعر البرميل إلى أرقام فلكية، وهي ضغوط تكشف عن وجود أجندة أميركية- بريطانية تهدف إلى حماية مصالح شركات النفط العملاقة في منطقة الخليج، ففي لقاء في قناة «سي إن إن» الإخبارية، يقول أحد وزراء حكومة «غوردون براون»: علينا أن نفهم أن استخراج النفط في منطقة الخليج يتطلب خبرات هائلة غير متوافرة لدى هذه الدول، لذا فنحن نطلب فقط تحسين الإنتاج لتلبية احتياجات السوق»! وزير الطاقة الأميركي «صامويل بودمان» كان أكثر وضوحاً من خلال التصريح الذي أدلى به في الأسبوع الماضي، وهو تصريح يشي بفحوى الأجندة الأميركية-البريطانية، حيث أكد الوزير أن الخروج من أزمة ارتفاع أسعار النفط يشترط أن تفتح الدول المنتجة للنفط الباب على مصراعية للاستثمار في القطاع النفطي لتحسين الإنتاج وزيادة حجمه، كما أكد أيضاً أنه سيدعو الدول الخليجية إلى إنهاء السياسة النفطية المحافظة التي تتبعها هذه الدول والعمل على زيادة الاستثمار في القطاع النفطي! الوزير الأميركي لم يأتِ بشيء جديد، فهو يكرر حرفياً الآراء التي تتبناها شركات النفط العملاقة في منطقة الخليج، ويبدو أن شهية هذه الشركات لخصخصة القطاع النفطي في الجزيرة العربية بلغت ذروتها، خصوصاً بعد مصادقة حكومة نوري المالكي في يوليو الماضي على «قانون النفط والغاز» سيىء الذكر، حيث يضع القانون ثلثي حقول النفط العراقية تحت تصرف شركات النفط الأجنبية لعقود طويلة!
من غير المحتمل أن يساهم اجتماع جدة للطاقة في خفض أسعار النفط، ومن غير المتوقع أن تساهم وعود المملكة العربية السعودية بزيادة الإنتاج في الخروج من الأزمة، لأن المطلوب أكثر من ذلك بكثير! المطلوب هو أن ترفع دول الخليج يدها كليّا عن الذهب الأسود، فوجود النفط في الجزيرة العربية «ليس سوى خطأ جغرافي» حسب تعبير إحدى الصحف الأميركية إبان أزمة النفط في أوائل السبعينيات من القرن الماضي!
لست أدري إلى أي مدى تستحق حكومات الخليج مساندة شعوبها، ولكني أعتقد أن هذه الحكومات تمر بظروف صعبة تستدعي وقوف مواطنيها إلى جانبها، فالهجمة على عصب الحياة والمورد الرئيسي للرزق بدأت تشتد، وزمن الإمبريالية والعبودية والقهر يعود من جديد بثوب جديد اسمه «الخصخصة»!

ليست هناك تعليقات: