الأربعاء، 29 يوليو 2009

الجنس والمرأة

لم يتمكن الإنسان من معرفة حقيقة الجنس على أسس علمية إلاّ منذ عهد قريب نسبياً، لكن في المقابل، كانت الخرافة هي دليل الإنسان في علاقته مع الجنس منذ فجر التاريخ. هذا التفاوت الزمني الكبير بين العلم والخرافة من حيث علاقة كل منهما بموضوع الجنس يقودنا إلى الاستنتاج المنطقي التالي، وهو أن جزءاً كبيراً من العادات والتقاليد التي ورثها إنسان العصر الحاضر من الأجيال السابقة غير مبنيّ على أسس علمية، بل على مزيج من الأسطورة والخرافة! علاقة الرجل بالمرأة تنتمي إلى هذه العادات والتقاليد، وسأحاول من خلال هذا المقال أن أقنع القارىء بالحقيقة التالية: إن تاريخ المرأة هو تاريخ جهل الرجل بحقيقة الجنس، وهذا الجهل هو المسؤول عن إخضاع المرأة لقيود اجتماعية تسحق كرامتها وتهين إنسانيتها!
تقسيم الجنس إلى ذكر وأنثى يعتبر شكلاً من أشكال استمرار الحياة على سطح الأرض، لكن ينبغي أن نتذكر أن هذا التقسيم الثنائي لا يُعد شرطاً ضرورياً لاستمرار الحياة، فعلم الأحياء يخبرنا أن هناك كائنات حية قادرة على التزواج اللاجنسي، وهناك أيضاً كائنات حية أحادية الجنس تعتمد في تكاثرها على عمليات بسيطة مثل الانقسام أو الانشطار. بمعنى آخر، غياب الجنس لا يعني اختفاء الحياة، والعكس غير صحيح! في ظل غياب هذه الحقيقة العلمية، كان البشر في السابق يعتقدون واهمين أن تقسيم الجنس إلى ذكر وأنثى هو أحد قوانين الطبيعة، وكانوا يظنون أن هذا القانون يسري على أشكال الحياة كافة! لم تبرأ أي حضارة إنسانية من تبني هذه الفكرة الخاطئة، وعلى أساسها تم بناء نظم اجتماعية وطقوس دينية وفلسفات أخلاقية ساهمت جميعها في تضخيم الفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة!
تحديد جنس الجنين يعتمد على وجود أو غياب الكروموسوم الذكوري أثناء عملية تلقيح البويضة، وهذا يعني أن تحديد الجنس يخضع إلى قوانين الاحتمال الرياضية، لكن الإنسان البدائي كان يجهل هذه الحقيقة العلمية، مما دفعه إلى اللجوء إلى الخرافة لمساعدته في تحقيق رغبته حول جنس الجنين، وعادة ما يكون الذكر هو الجنس المطلوب! في مدغشقر، مثلاً، كي تنجب المرأة ذكراً، عليها أن تخضع إلى عملية الختان وأن تأكل لحماً من نوع خاص، وكي تتفادى خطر الإجهاض، عليها أن تبتعد عن أي شيء لونه أخضر وأن تحجم عن أكل الأطعمة الطرية!
فترة الحيض، أو ما يعرف بالدورة الشهرية، تعد عملية بيولوجية روتينية مرتبطة بالمرأة، لكن هذه العملية لم تكن سوى لغز من ألغاز الطبيعة بالنسبة للإنسان البدائي، وكعادته في كل مرة يلجأ الإنسان البدائي إلى الخرافة لحل ألغاز الطبيعة! بمجرد ظهور أعراض الحيض عند فتاة مراهقة، يبدأ سكان كندا الأصليين بإقامة سلسلة من الإجراءات الاحترازية، مثل الحجر على الفتاة وحبسها في مكان معزول طوال فترة الحيض، ومنعها من الاقتراب من الآخرين أو ملامستهم، وتغطية وجهها بالكامل لفترة زمنية تتجاوز مدة الحيض نفسه! هل يلاحظ القارىء هنا بعض نقاط التشابه بين عادات سكان كندا الأصليين وثقافة شبه الجزيرة العربية؟ إذا أخفق القارىء في العثور على نقاط تشابه بين الثقافتين، فإني أود أن أضيف المعلومة التالية: في بعض الحضارت البدائية في أفريقيا، وأثناء مراسم حفل الزواج، تلجأ النساء إلى «الزغرطة» أو ما نسميه نحن في لهجاتنا المحلية بـ «لولشة»، والسبب في ذلك يعود إلى محاولة طرد الأرواح الشريرة عن العروسين! قد تنتقل العادة الاجتماعية من شعب إلى آخر، وقد تكتسب هذه العادة وظيفة جديدة من خلال هذا الانتقال، فبدلاً من وظيفة طرد الأرواح أصبحت الوظيفة تقتصر على التعبير عن الفرح، لكن هذا لا يلغي الأصل الخرافي للعادة الاجتماعية!
قدّمت إلى القارىء بعض الأمثلة التي تدلل على أن جهل الإنسان البدائي بحقيقة الجنس جعله يستعين بالخرافة كوسيلة للتعامل مع «لغز المرأة»، والنتيجة الطبيعية هي إخضاع المرأة لقيود اجتماعية تسحق كرامتها وتهين إنسانيتها! لكن إذا كان الإنسان البدائي معذوراً في تمسّكه بالخرافة لعدم توافر المعرفة العلمية، فما هو عذر إنسان الزمن الحاضر حينما يصر على الاستمرار في التمسك ببعض العادات التي تنتمي إلى عصور الجهل والأساطير؟ في بعض الأحيان، كل معرفة علمية جديدة هي بمنزلة دعوة إلى إعادة النظر بعادة اجتماعية قديمة، وعندما نهمل هذه الدعوة ولا نلقي لها بالاً، فإننا نكون بذلك قد وضعنا الخرافة في مرتبة أسمى من مرتبة العلم. قد يتباهى بعضهم بقيم المحافظة ومدى حرصهم على التمسك بها، لكن من الصعب أن يكون الإنسان محافظاً أصيلاً من دون أن يكون مديناً للخرافة بفكرة واحدة على الأقل!

ليست هناك تعليقات: