الجمعة، 31 يوليو 2009

حول مشروع الإنقاذ

في الأسبوع الماضي، تطرقنا إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده محافظ البنك المركزي حول ما يسمى بمشروع قانون تعزيز الاستقرار المالي في الدولة، وأشرنا إلى هوية المستفيدين الحقيقيين من هذا المشروع، وسنتوقف من خلال هذا المقال عند بعض المغالطات والتناقضات التي تخللت حديث محافظ البنك المركزي.
شدد المحافظ في حديثه على حقيقة أن المشروع يهدف إلى مساعدة الشركات الاستثمارية «المليئة»، وأما الشركات التي لا أمل في إنقاذها فلن تستفيد من مشروع «الإنقاذ». هذا يعني أن بإمكان البنك المركزي تحديد الخط الفاصل بين الشركات المليئة وغير المليئة، وهذا ما يؤكده رد المحافظ على سؤال يتعلق بشكوى بعض الشركات التي ترى في نفسها الملاءة على عكس ما يراه البنك المركزي، حيث أجاب المحافظ قائلا: «إذا كانت بعض الشركات ترى في نفسها الملاءة والقوة فلماذا يطلب أصحابها المساعدة؟ أليس من الأولى أن يدعم هؤلاء الملاك وبقية المساهمين شركتهم عبر زيادة رأس المال إذا كانت فعلا جيدة وغير متعثرة؟».
هذا تساؤل منطقي، لكنه مع ذلك يتناقض مع حديث المحافظ حول الهدف مما يسمى بمشروع قانون تعزيز الاستقرار المالي في الدولة، فهو من جهة يقول إن المشروع أتى ليساعد فقط الشركات المليئة، ثم يشير من جهة أخرى أن الأولى بالشركات المليئة أن تساعد نفسها وألا تطلب العون من البنك المركزي! كي نخرج من هذا التناقض، دعنا نفرض أن المحافظ يقصد أن المشروع يستهدف شركات مليئة لكنها متعثرة، ولكن كلا المفهومين، «الملاءة» و «التعثر»، مرتبطان بجودة الأصول التي تملكها الشركة وما إذا كانت هذه الأصول قادرة على سداد الديون المتراكمة، مما يعني استحالة وجود شركة مليئة ومتعثرة في الوقت نفسه، فإما أن تمتلك الشركة أصولا جيدة تغطي ديونها وبالتالي لا تحتاج إلى الاستفادة من المشروع، وإما أنها لا تملك أصولا تغطي ديونها وبالتالي لا تستحق أن يشملها مشروع «الانقاذ»!
أشار أحد الصحافيين إلى أن تدخّل المركزي يذكّر بعمليات مشابهة حدثت في بلدان عربية أخرى إبّان فترة التأميم، وأجاب المحافظ على هذه النقطة بالقول: «نحن أمام وضع استثنائي، من حقنا أن نضمن الودائع ونمارس على البنوك صلاحيات تضمن سير العمل بما نراه مناسبا لضمان الودائع وعدم الدخول في آتون مفاجآت تهدد النظام المصرفي». إجابة المحافظ توحي بأن تدّخل البنك المركزي في إنقاذ البنوك المحلية شبيه فعلاً بعملية تأميم هذه البنوك، ولكن هذا ينافي الواقع، فقانون ضمان الودائع ترك للبنوك هامشاً كبيراً من الحرية في إدارة الأموال التي هي في الأصل حق للشعب وليس لفئة محددة منه. أما بخصوص الشركات المتعثرة، فإن المحافظ لم يبادر حتى في منع توزيع الأرباح على المساهمين في الشركات المستفيدة من المشروع، وإنما اكتفى بالقول «إن الأعراف العالمية تقول إن الشركات التي تواجه تعثرا ماليا يجب ألا توزع أرباحا وهي تعاني الديون لمصلحة المؤسسات المالية الأخرى»! أي أن المسألة في نظر المحافظ متروكة للعرف فقط، فالمشروع كما يقول المحافظ لم يمنع «أي شركة خاضعة لبرنامج التمويل خصوصاً الاستثمارية منها من توزيع أرباح على مساهميها»!
رفض محافظ المركزي الإجابة عن سؤال يتعلق بوضع شركتي «دار الاستثمار» و«بيت الاستثمار العالمي» (غلوبل) وكيفية استفادتهما من مشروع «الإنقاذ»، معلّلا ذلك بأهمية المحافظة على سرية المعلومات حول هذا الشأن! أمر غريب فعلاً أن يرفض المحافظ الإجابة عن هذا السؤال، ذلك أن من حقنا كشعب أن نعرف هوية كل مستفيد من المال العام، وعندما يزور أحدهم الحكومة لينام في سريرها، فمن حقنا كشعب أن نعرف هوية الزائر!
عندما كانت البنوك والشركات الاستثمارية تنعم بجني الأرباح الضخمة لسنوات طويلة، كانت الأصوات ترتفع مطالبة برفع يد الدولة عن شؤون الاقتصاد، ولكن عندما انقلب سحر المضاربات على المضاربين، ارتفعت الأصوات نفسها مطالبة بتدخل الدولة وفتح خزائن المال العام! لكن يبدو أن المشروع سيمر مثلما مرّ من قبل قانون ضمان الودائع، فعندما يجمع نواب الأمة بين التجارة والسياسة، فإن المشاريع من هذا النوع تصبح بمنزلة «ضرورة حتمية»! إن إنقاذ المستهترين والمغامرين يعني ببساطة تشجيعا سافرا على التمادي في الاستهتار والمغامرة، ولسوف تثبت الأيام صحة هذا الكلام!
من المؤسف حقا أن يربط البعض بين مشروع «الإنقاذ» وإسقاط قروض المواطنين، فبدلا من أن يكون المبدأ هو المحافظة الصارمة على المال العام، أصبح الأمر أشبه بدعوة إلى الهجوم الجماعي على أموال الأجيال القادمة! كان الأجدر أن تكون الدعوة إلى تأميم البنوك المتضررة، فهذه فرصة ذهبية إلى شراء مؤسسات مالية «برخص التراب»! من يدري؟ لعلنا نفلح أخيراً في جعل مؤسساتنا المالية أكثر ديمقراطية من خلال تغيير مجالس إداراتها، فبدلا من أن تكون محصورة بعوائل محدودة، تصبح إدارة هذه المؤسسات من نصيب المواطنين من كل الطبقات الاجتماعية!

ليست هناك تعليقات: