الجمعة، 31 يوليو 2009

جماعة الدعوة والتبليغ على الطريقة المسيحية

إذا كنت تسكن في بيت في أوروبا وسمعت جرس الباب مساء يوم الأحد، فإن هناك احتمالا كبيرا أن يكون الزائر عبارة عن مجموعة دينية ترغب في انضمامك إلى طريق المسيح، وهي مجموعة لا تختلف كثيرا عن جماعة الدعوة والتبليغ في مركز صبحان، مع بعض الفوارق المتعلقة بالشكل الخارجي والخلفية الثقافية! عندما تزورني إحدى هذه المجاميع المسيحية، فإن فرصة السماح لهم بالدخول إلى بيتي تعتمد على أعمارهم، فإن كان من بينهم شخص واحد فقط دون سن الثلاثين، أذنت لهم بالدخول، وإن كانوا جيمعا قد تجاوزوا سن الثلاثين، أسارع إلى الاعتذار عن عدم قدرتي على استقبالهم! قد يبدو معيار الضيافة هذا مجحفا وغير علمي، ولكني أميل إلى الاعتقاد بأن الحوار حول موضوع الدين مع من هم دون سن الثلاثين أجدى بكثير من الحوار مع من تجاوزوا هذه السن، ذلك أن طبيعة النصف الثاني من حياة الإنسان تعتمد على طبيعة النصف الأول، كما أن المثل الإنكليزي يقول: «لا تستطيع أن تعلّم الكلب العجوز حيَلاً جديدة»!
يعتمد الحوار المثمر على شرطين: الأول، هو وجود أرضية مشتركة للحوار، والثاني، هو وجود تكافؤ بين قابلية الإقناع و قابلية الاقتناع. لا أحبذ، شخصيا، إضاعة الوقت في حوار عقيم لا يفضي إلى شيء مفيد، خصوصا عندما يكون حرص الطرف الآخر على الإقناع أكثر من حرصه على الاقتناع! لا يتحقق هذان الشرطان عادة حينما يتعلق الحوار بموضوع الدين، لكن بالرغم من ذلك، أعترف بأنني قضيت وقتا ممتعا مساء يوم الأحد الماضي بصحبة شاب وفتاة جاءا إلى بيتي طمعاً في هدايتي إلى طريق المسيح!
يبدو لي أن مراكز التبشير في الغرب تصرف أموالاً طائلة في سبيل إعداد كوادرها، ويبدو لي أيضاً أن هذا الإعداد لا يقتصر فقط على عملية الإلمام التقليدي بتعاليم المسيح. إن أكثر ما أثار دهشتي في حوار يوم الأحد الماضي هو أن ضيفيّ على اطلاع جيد بفروع المعرفة غير التقليدية، وهو ما يفتقر إليه الغالبية من دعاة الدين من المسلمين، مع الأسف الشديد. أقول «مع الأسف الشديد» ليس من باب الرغبة في نجاح مشروعهم الدعوي، بل من أجل أن يكون الحوار معهم مثمراً على الأقل!
قلت للشاب إن كتاب الإنجيل لن يصمد أمام أبسط قوانين المنطق، وأعني بذلك قانون التناقض الذي ينص على التالي: إما أن تكون «أ» صحيحة، وإما أن تكون خاطئة، ومن المستحيل منطقيا أن تكون «أ» صحيحة وخاطئة في الوقت نفسه». لم يبد الشاب أي اعتراض على قولي، بل إنه ذهب إلى حد القول إن علم المنطق يتطلب أن تكون لكل جملة خبرية قيمتان فقط، إما صحيحة وإما خاطئة، وهذا الشرط بحد ذاته كفيل بإقصاء قسم كبير من الإنجيل خارج دائرة المنطق! عندها تدخلت الفتاة لتقول: «قد لا يصمد الإنجيل أمام قوانين المنطق، ولكن هل صمد منطق «فريجه» أمام مفارقة «برتراند رسل»؟ وهل صمد برنامج «هيلبرت» الرياضي أمام إثبات «غودل»؟! تجادلنا طويلا حول هذه النقطة، ثم انتقل بنا الحديث إلى «الوضعية المنطقية» و«حلقة فيينا»، ولم يخطر في بالي قط أن يبدأ الحوار بمناقشة كتاب الإنجيل لينتهي بمناقشة آخر كتاب لـ«تشومسكي»!
لقد كانت أمسية حافلة بالتمارين العقلية، وزاخرة بالحجج المنطقية والحجج المضادة. كان حوارا ممتعا ومفيدا وطريفا أيضا، وفوق ذلك كله، كان حوارا متسامحا! لم أسلك طريق المسيح، ولم يسلكا طريق المنطق، لكن الحوار المثمر لا يشترط أن تكون النتيجة إما فوز أو خسارة، يكفي فقط أن تكون هناك لغة مشتركة، وإخلاص في طلب الحقيقة! قد يحتاج معظم دعاة المسلمين إلى بضع سنين للإلمام بفروع المعرفة غير التقليدية، لكن كم من القرون سيحتاجون كي يتعلموا مبدأ التسامح؟

ليست هناك تعليقات: