الجمعة، 31 يوليو 2009

منشار البنوك


سواء تم إسقاط مديونيات المواطنين أو لم يتم، فإن المحصلة النهائية هي أن البنوك ستجني الأموال مع فوائدها، سواء تم ذلك على حساب أموال الدولة أو عن طريق جيوب المواطنين! لكن عندما نجبر البنوك على تحمّل مسؤولياتها تجاه أزمة مديونيات الأفراد، فإن المحصلة هي التخفيف من هذه الهجمة الشرسة على المال العام.
مازال البعض يحرص على الربط بين إسقاط مديونيات المواطنين وما يسمى بمشروع «الإنقاذ»، ولكني لم أسمع أن أحداً قد قام بتقديم اقتراح بسيط وعادل أيضا، وهو أن تقوم البنوك ذاتها بإسقاط قروض المواطنين من الأفراد (وليس الشركات)! لماذا ينبغي أن نحمّل المال العام كل أخطائنا؟ ألم يتم استخدام المال العام لإنقاذ البنوك، فلماذا لا تتحمل البنوك على الأقل جزءاً من مسؤوليتها تجاه المجتمع، خصوصاً أنها مسؤولة، جزئيا على الأقل، عن التساهل بسياسة الإقراض وعن الجشع في رفع قيمة الفائدة لسنوات طويلة؟
لاحظ، عزيزي القارئ، أنه في ظل الحلول المطروحة حاليا، فإن البنوك مستفيدة من الجانبين، فسواء تم إسقاط مديونيات المواطنين أو لم يتم، فإن المحصلة النهائية هي أن البنوك ستجني الأموال مع فوائدها، سواء تم ذلك على حساب أموال الدولة أو عن طريق جيوب المواطنين! لكن عندما نجبر البنوك على تحمّل مسؤولياتها تجاه أزمة مديونيات الأفراد، فإن المحصلة هي التخفيف من هذه الهجمة الشرسة على المال العام من جانب، والتقليل من ثقل الديون على بعض المواطنين من جانب آخر. قد لا يلقى هذا الاقتراح تأييداً، لذا دعنا نناقش بعض الحجج التي قد تقف في طريقه:
الحجة الأولى هي أن كل مواطن مسؤول قانونيا وأخلاقيا عن سداد المال الذي قام باقتراضه من أحد البنوك، وهذه بلا شك حجة منطقية لو جاءت في سياقها العام، ولكن في ظل النظام المصرفي الحالي، فإن البنوك أيضا مسؤولة عن كل الودائع في حساباتها، ولو قرر جميع المودعين، مثلا، سحب أموالهم من أحد البنوك في نفس اللحظة، لأعلن البنك إفلاسه في ظرف ساعات معدودة، لأنه ببساطه لا يستطيع إعادة جميع الودائع إلى أصحابها، مما يعني أن البنك يستثمر في ودائع المواطنين لمصلحته الخاصة، ومن هنا فإن إخفاق البنك في تحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه ودائع المواطنين لا يقل أهمية عن تعثّر بعض المواطنين في تسديد قروضهم! البنوك لا تعتمد فقط على رأسمالها الحقيقي في تقديم القروض، فكل مبلغ من المال يدخل إلى البنوك على شكل إيداع يخرج من جهة أخرى ليتضاعف على شكل قروض! أي أن النظام المصرفي بشكله الحالي هو المسؤول الأول عن التضخم وزيادة الأسعار التي يعانيها المواطن البسيط من وقت لآخر!
الحجة الثانية هي أن الاقتراح لا يعدل بين المواطنين كافة، فهناك شريحة كبيرة لم تقترض، ولكن لاحظ أن الاقتراح يدعو البنوك نفسها إلى إسقاط قروض المواطنين، أي أن المال العام لا شأن له في هذه العملية، وبالتالي فإن شبهة عدم العدل بين المواطنين تصبح غير قائمة! ثم لننظر كيف عالج البنك المركزي الأزمة المالية العنيفة التي تعرّض لها بنك الخليج، فالحل جاء عن طريق ضمان جميع ودائع البنوك، أي أن الحكومة لم تفرّق بين بنك مفلس وبنك ممتلئ، ولكن الفرق الجوهري هنا هو أن العدل بين جميع البنوك جاء على حساب المال العام!
الحجة الثالثة هي أن النظام المصرفي يعاني حاليا أزمة سيولة، وبالتالي فإن دعوة البنوك إلى إسقاط قروض المواطنين ستضاعف حتما من حدة هذه الأزمة، وهي حجة تبدو معقولة لو لم يتم الإعلان عن مشروع «الإنقاذ»، فحجم قروض المواطنين لن تساوي شيئا في مقابل حجم الأموال التي ستستفيد منها البنوك في حال تم إقرار هذا المشروع المشبوه!
لا أدري لماذا هذا الإصرار على تصوير البنوك وكأنها حمل وديع، فحتى راتب المواطن البسيط ومصدر رزقه الوحيد لم يسلم من العبث قبل أن يصل إلى حسابه الشخصي!

ليست هناك تعليقات: