الأربعاء، 29 يوليو 2009

سيادة الخطاب الديني... الاستجواب مثالاً

ضمن وقائع استجواب النائب الفاضل سعد الشريع لمعالي وزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح، استوقفني تشبيه النائب للوزيرة بخطيب المسجد، لأنها أكثرت من استخدام تعابير مثل «اتقِ الله» و«استغفر الله» و«الله أكبر»! لكن ما غاب عن النائب الفاضل هو أن الوزيرة لم تأتِ ببدعة جديدة، فهذه هي لغة الخطاب السياسي منذ زمن طويل. هل اطلع النائب الفاضل على مشروع قانون الأحزاب السياسية المقدم من قبل زملائه النواب الأفاضل علي الراشد ومحمد الصقر وفيصل الشايع، وعلى الأخص تلك المادة التي تلزم كل حزب «أن يحترم ويدافع خصوصاً عن الهوية العربية الإسلامية»؟ هل شاهد النائب الفاضل كيف يبدأ نائب له باع طويل في العمل السياسي مثل النائب المحترم أحمد السعدون خطابه السياسي بآيات من الذكر الحكيم؟ هل استمع النائب الفاضل إلى زميله المحترم مسلم البراك وهو يتباكى على إساءة طفلة للقرآن؟ الخطاب السياسي الذي لا يحمل نقوشاً إسلامية مصيره الفشل، فهذا الشعب تم إعداده منذ عقود طويلة على استنكار أي خطاب سياسي لا يشتمل على مفردات دينية!
بعد انقضاء جلسة الاستجواب، بدأت حرب الفتاوى الدينية، ثم يستنكر الفريق المدافع عن الوزيرة هذا الخلط بين الدين والسياسة، معللين ذلك بأننا في دولة مدنية، لا دينية! لا يا سادة، لم تكن الكويت يوماً دولة مدنية، ولن تكون كذلك ما دامت المادة الثانية من الدستور حاضرة بقوة على المشهد السياسي، والسبب في ذلك بسيط ومباشر، فكل خرق لمقومات الدولة المدنية تم من خلال تشريعات نيابية تستند إلى هذه المادة، دون أدنى مراعاة إلى تعارض هذه التشريعات مع بعض المواد الأخرى! إذا جاز لنا أن نصنف مواد الدستور من حيث الأولوية التي يوليها نواب الأمة إلى كل مادة على حدة، فإن هناك مادتين تحتلان الصدارة، المادة (2) والمادة (107)، فالأولى تضمن استحواذ التيار الديني على تحديد شكل الدولة، والثانية تغذي الطموح السياسي لكل من اختزل المحافظة على الدستور في مسألة المحافظة على استمرار مجلس الأمة! هناك في المقابل مواد دستورية لا تحظى بأدنى اهتمام نيابي، مثل المواد (29) و(30) و(35) و(36)، فهذه مواد غير مربحة سياسياً! إذا كان القارئ يشك بصحة ما أزعم، فإني أدعوه إلى النظر في تاريخ الاستجواب السياسي في الكويت، وأنا على ثقة بأنه لن يجد استجواباً واحداً يضم بين محاوره أياً من هذه المواد الأربع! ربما يستشهد القارئ بصحيفة استجواب وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي، ولكن هذا الاستجواب اشتمل على محورين متناقضين، أحدهما يدين طمس الحريات العامة، والآخر يدين عدم طمسها!
لا تقتصر سيادة الخطاب الديني على الخطاب السياسي فقط، بل تتعداه إلى الخطاب الاجتماعي والخطاب الثقافي والخطاب العلمي وحتى الخطاب الاقتصادي! هل يريد القارئ أمثلة على ذلك؟ هل تساءل القارئ لماذا أصبح تعبير «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته» هو الرد الأمثل على تحية الصباح؟! هل تساءل القارئ لماذا يؤدي كل اكتشاف علمي جديد إلى اكتشاف ديني جديد؟! هل تساءل القارئ لماذا أصبحت البنوك الإسلامية مثالاً يحتذى به من قبل البنوك الأخرى، وهل لاحظ القارئ قائمة مواعيد الصلاة على الموقع الإلكتروني لبنك الكويت الوطني؟! أكرر مرة أخرى، أي خطاب لا يشتمل على نقوش دينية، لا يحظى بأي شعبية!
لعل من أهم أسباب سيادة الخطاب الديني يكمن في هذا الفهم العقيم والمشوّه لمفهوم في غاية الحيوية مثل «العلمانية»، فعندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة إلى الوجود عن طريق كتابات جورج هوليوك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لم يكن هذا الكاتب الانكليزي يرمي إلى أكثر من الدعوة إلى انتقال الدين من المحيط الاجتماعي العام إلى المحيط الفردي الخاص، فهو لم يقصد إطلاقاً أن يضع العلمانية في تعارض مع الدين كما يزعم خصوم العلمانية، وهو لم يقتصر على فكرة فصل الدين عن السياسة كما يتوهّم بعض أنصار العلمانية. إنّ انتقال الدين من المحيط العام إلى المحيط الخاص يضمن أمرين اثنين: بداية الإصلاح الحقيقي، ونهاية المتاجرة بالدين.
أخيراً، ينبغي التذكير بأن سيادة الخطاب الديني لا تعني بالضرورة سيادة الدين ذاته، فكل محاولة إلى إخضاع السياسة أو الاقتصاد أو حتى العِلم إلى شروط الدين تنطوي في واقع الأمر على محاولة مكشوفة إلى التحايل على مبادئ الدين نفسه، وهنا تحديداً يكمن المعنى الحرفي لمفهوم المتاجرة بالدين. لست أبالغ إذا قلت إن هناك عاملاً مشتركاً بين الظواهر التالية: شعبية التيار الديني، وشعبية بيت التمويل، وشعبية زغلول النجار!
ملاحظة أخيرة:
أتمنى ألاّ يسيء أحد الظن في دعوتي لبعض المواطنين إلى عدم اصطحاب أطفالهم إلى شعائر يوم عاشوراء، فكلي رجاء في إبعاد الأطفال عن مشاهد لا تتناسب مع أعمارهم، وأما أمنيتي التي يصعب تحققها فهي أن نبعد الأطفال عن أي نوع من أنواع الأدلجة، مهما كان مصدرها!

ليست هناك تعليقات: