الأربعاء، 29 يوليو 2009

عقبات على طريق التفكير النقدي


إذا كان تفكير الإنسان مرتبطاً بنشاط الخلايا العصبية في الدماغ، وإذا كانت هذه الخلايا في نشاط دائم، فإن الاستنتاج المنطقي هو أن الإنسان يفكر بصورة دائمة، شاء أم أبى! لكن من جانب آخر، إذا كان التفكير عملية طبيعية مجانية، فإن التفكير بطريقة منظمة يتطلب جهداً شاقاً وطاقة مضاعفة، و«التفكير النقدي» هو أحد أنواع هذا التفكير المنظم، فهو عبارة عن قائمة من المهارات العقلية التي يكتسبها الإنسان عن طريق التمرين الذهني المتواصل والقراءة المكثفة، لكن قبل أن يقرر أحدنا اكتساب هذه المهارات، عليه أولاً إزاحة مجموعة من العقبات التي تقف في طريق التفكير النقدي، ومن بين أهم هذه العقبات ما يلي ذكره.
أولاً، هناك عقبة مركزية الثقافة، وهي عقبة تتعلق بميل الفرد إلى التفكير في حدود الثقافة التي ينتمي إليها، دون محاولة تجاوز هذه الحدود إلى نمط أشمل من التفكير المجرد. لو قام أحدنا بعملية جرد لجميع الأفكار التي يؤمن بها، فلا ينبغي أن يستغرب لو اكتشف أن الاغلبية العظمى من مجتمعه تشاطره معظم هذه الأفكار! ربما أدى هذا الاكتشاف إلى شعور الفرد بالانتماء والاطمئنان والراحة النفسية، ولكن التفكير النقدي يشترط التضحية بهذا الشعور لسبب بسيط، وهو أن صحة أي فكرة لا تعتمد على عدد المؤمنين بها، لكل فرد الحق في ترتيب أولوياته، وإذا كان طلب الحقيقة (مهما كلّف الأمر) يندرج ضمن هذه الأولويات، فإن كل فكرة استقاها الفرد من وحي المجتمع تصبح هدفاً مشروعاً لاختبار التفكير النقدي، إن الفكرة التي تحظى بإجماع الناس على صحتها خليقٌ بها أن تكون مدعاة للشك، لا الطمأنينة. قد تكون الطمأنينة ثمينةً في ميزان القلب، لكن الشك أثمن بكثير في ميزان العقل!
ثانياً، هناك عقبة الخوف بجميع أشكاله: الخوف من المعرفة، والخوف من مواجهة الفكر السائد، والخوف من أن يفضيَ الإخلاص في طلب الحقيقة إلى عزلة موحشة. يحدث أحياناً أن تطرد فكرة من عقلك، ليس لكونها فكرة خاطئة، بل لأنها فكرة منبوذة في نظر الجميع! مفهوم «الفكرة الخاطئة» يشير إلى فكرة لا تتوافق مع قوانين المنطق، ومفهوم «الوسواس» يشير إلى فكرة لا تتوافق مع قوانين المجتمع، والخلط بين هذين المفهومين أدى إلى إدراج الكثير من الأفكار الصحيحة تحت بند «وساوس الشيطان»! لا شيء يدعونا إلى الخوف من عقولنا، فالعقل لا يعاقبنا إنْ اخترنا التمرد عليه، لكن خوفنا هو من هذا المجتمع الذي يرفع «عصا الطاعة» في وجوهنا. إذا كنا نهاب هذه العصا، فإن الطريق إلى التفكير النقدي طويل جداً!
ثالثاً، هناك عقبة خداع النفس، فعندما تزداد رغباتنا الذاتية إلحاحاً، يتضاءل صوت العقل فيستحيل همساً. التفكير النقدي يشترط أن نزيح هوى النفس جانباً كي نرى بوضوح طريق الحقيقة، لكن هناك مَن يدفعه هوى النفس إلى انتزاع الصولجان من عقله وإيداعه قلبه، فتختلط بذلك الأمور وتغيب الرؤية! ليست مصادفة أن تشترك كلمتا وعي وضمير في لفظ واحد في اللغة اللاتينية، فضمير الإنسان شكل من أشكال الدعوة إلى إدراك الحقيقة، وتأنيب الضمير نتيجة طبيعية لإهمال هذه الدعوة!
هذه هي بعض العقبات في طريق التفكير النقدي، وأما المهارات المرتبطة بهذا النوع من التفكير فسنتطرق لها في مقالات لاحقة.

ليست هناك تعليقات: