الجمعة، 31 يوليو 2009

لمصلحة من تشويه صورة حماس؟

في أغلب الأحيان، لا يأتي اسم حركة «حماس» في الصحافة الغربية إلا بعد أن يكون مقرونا بالعبارة التعريفية التالية: «جماعة إرهابية مدعومة من إيران ومصممة على تدمير إسرائيل»! قد تكون هذه العبارة دقيقة من وجهة نظر بعض القرّاء، وقد يعتبرها البعض الآخر تشويها سافرا للحقائق، أما أنا فسألتمس منزلة بين المنزلتين، فالعبارة بالنسبة لي تنم عن تشويه جزئي للحقائق، ذلك أن الصحافة الغربية صحافة ناضجة، أي أنها تميل إلى الاقتصاد في قول الحقيقة، بدلاً من اللجوء إلى الكذب المباشر! لكن ماذا عن صورة «حماس» في صحافتنا العربية، خصوصاً في هذه الأيام؟
في مقال تحت عنوان «غزة وخيار الانتحار»، كتب السيد بشارة شربل هنا في «الجريدة» يقول: «للفلسطينيين شرعيةٌ اسمها سلطة محمود عباس» ثم «انقلبت عليها «حماس»»! يبدو أن شرعية الفلسطنيين في نظر السيد «شربل» تنحصر في شخصية «أبو مازن»، لكنه مع ذلك لم يوضح بالضبط أي شرعية يقصد، هل هي شرعية 2003 عندما تم تعيينه رئيسا للوزراء بفضل ضغوط أميركية وإسرائيلية ورغماً عن إرادة «عرفات»؟ أم هل يقصد شرعية 2005 عندما تمّ تتويجه زعيما للسلطة الفلسطينية في انتخابات رئاسية خاضها لوحده، وذلك بعد أن امتنعت «حماس» عن المشاركة احتجاجاً على اعتقال إسرائيل لمرشحيها في الانتخابات الرئاسية؟ ثم لماذا يصر السيد «شربل» على القول إن «حماس» انقلبت على سلطة محمود عباس؟ هل يمكن أن نجهل ماذا فعل «أبو مازن» بعد أن اختار الشعب الفلسطيني السيد «إسماعيل هنية» رئيساً للوزراء؟ لقد استهزأ بإرادة الشعب الفلسطيني عن طريق إقالة «هنية»، ثم استهزأ بقوانين الدستور من خلال تعيين «سلام فياض» رئيساً للوزراء من دون موافقة المجلس التشريعي!
السيد خليل علي حيدر يكرر أيضا التهمة ذاتها، ففي مقال له حمل عنوان «عرب القمة.. قولوا «لا» لحماس»، يؤكد الكاتب أن حركة المقاومة الإسلامية «اصطدمت بالسلطة الفلسطينية الشرعية»! لا يقدم السيد «حيدر» دليلا على كلامه، فالحقائق تشير إلى أن «حماس» تم دفعها قسراً إلى الاصطدام مع السلطة الفلسطينية، فبمجرد اكتساح الحركة للانتخابات التشريعية، تم تجميد الأموال المستحقة للفلسطينيين على يد الإدارتين الأميركية والإسرائيلية، وعلى الرغم من تعرض «إسماعيل هنية» لمحاولة اغتيال على يد عناصر منطمة «فتح»، لم تبادر «حماس» إلى الانتقام أو حتى الإشارة بأصبع الاتهام، ولكن أن يصل الأمر إلى تحالف منظمة «فتح» مع إسرائيل في محاولة بائسة إلى إهانة رئيس الحكومة الشرعية ومنعه من عبور معبر رفح، فإن خيار المواجهة يصبح حقّا مشروعاً!
أتابع بشكل مستمر مقالات السيد «حيدر»، وأدرك جيدا مدى التزامه في ذكر المصادر في كل مقالاته، لكنه في هذا المقال تحديدا تخلى عن هذه العادة الحميدة وراح يوجّه الاتهامات إلى «حماس» من دون أن يقدم الدليل على ذلك، فهو يقول: «في الأيام الأولى لتفجّر الأوضاع كنا نفكر بشكل منطقي، وندرك بوضوح مسؤولية «حماس» عن هذه الكارثة، بسبب عنادها وفكرها وتحالفاتها واستراتيجيتها»
لولا يقيني بأن السيد «حيدر» هو من كتب هذه الكلمات، لظننت أنها من بقايا المنشورات التي ألقت بها الطائرات الإسرائيلية على أهالي غزة كنوع من الحرب النفسية! استمر أهالي غزة على مدى عامين في مكابدة حصار جائر، وناشد أهلها العالم أجمع أن يفك الحصار عنها فلم يلتفت إليهم أحد، واستمرت الطائرات الإسرائيلية في تنفيذ هجماتها وتصفية أعضاء الحكومة الشرعية في غزة طوال فترة الحصار، ورغم هذه الحقائق كلها، يؤكد السيد «حيدر» أن التفكير المنطقي قاده إلى حقيقة أن «حماس» مسؤولة عن الكارثة! إذا أردنا الدقة، فإن السيد «حيدر» لا يحمّل «حماس» وحدها الكارثة، بل إنه ينسب المسؤولية أيضا إلى جميع أهالي غزة، فهو يقول:
« لماذا لا يقول المصريون والسعوديون والكويتيون وكل عقلاء الإعلام العربي للفلسطينيين أن يعيدوا النظر في تأييدهم لأمثال «حماس»، فقد أخطؤوا عندما اختاروا جماعة لا تكترث بمصير أرض فلسطين أو مبانيها أو الناس من قاطنيها؟»
أما السيد أحمد بشارة فلديه نظرية خاصة حول ما يدور في أذهان الإسرائيليين بعد الحرب على غزة، ففي مقال له تحت عنوان «إلى متى هذا الضياع؟»، كتب يقول:
«لقد قلّصت أحداث غزة فرصة تخلي إسرائيل عن الضفة الغربية عبر التفاوض، فإن كان الانسحاب من غزة قاد إلى هذه الحرب، فماذا ستكون عليه الحال إن هي انسحبت من الضفة الغربية؟ أو أعادت الجولان؟ هذا حتما ما يدور في أذهان الساسة الإسرائيليين».
كلام السيد «بشارة» يحتوي على ثلاث إشارات ضمنية، كلها خاطئة مع الأسف: الإشارة الأولى هي أن انسحاب إسرائيل من القطاع في عام 2005 جاء بسبب رغبة إسرائيل في السلام، وهذا أمر يجافي الحقيقة كما أشرت في المقال السابق، كما أن «أرييل شارون» سبق أن أشار إلى أنه من غير المعقول أن نستنفر الجيش الإسرائيلي لمجرد حماية 8000 مستوطن يهودي في قطاع غزة! الإشارة الثانية تفيد بأن «حماس» لم تقابل الإحسان الإسرائيلي بإحسان مثله فبادرت إلى إعلان الحرب على إسرائيل، وهو أمر ينافي الواقع كما ذكرت سابقا. أما الإشارة الأخيرة في كلام السيد «بشارة» فهي أن هناك رغبة حقيقية لدى إسرائيل في الانسحاب من الضفة الغربية قبل العدوان على غزة، وهو أمر تكذّبه الوقائع على الأرض، فبناء المستوطنات على أرض الضفة الغربية يسير على قدم وساق، بالإضافة أيضا إلى بناء الخطوط السريعة والمدن وتهجير البدو والمزارعين وتجريف البيوت والحقول، فمشروع الاستيطان لم يتوقف منذ «خطة آلون» إلى يومنا هذا!

ليست هناك تعليقات: