الأربعاء، 29 يوليو 2009

الإسلاميون والجاسم


تتعدد شعارات المرشحين في شكلها ومضمونها، ولكن شعار الناخبين ينبغي أن يكون ثابتاً لا يتبدل، وهو شعار موجه إلى كل مرشح: إذا أردت من الناس أن تحترمك فعليك أن تحترم عقولهم!
إذا أردت أن تحكم فعليك أن تنجح في دفع الآخرين إلى تصديق ما تقول. هذه نصيحة قديمة من ميكيافيللي إلى كل شخص يساوره طموح الحكم والثراء والوجاهة الاجتماعية، ولكن يبدو أن هذه النصيحة الثمينة لم تصل بعد إلى مَن شاركوا في اعتصام يوم الأحد الماضي في ساحة الإرادة! كيف يستطيع هؤلاء، مثلاً، أن يقنعوا المواطن بالشعارات التي رفعوها دفاعا عن الدستور؟ هل يراهن هؤلاء على غباء المواطن أم على ضعف ذاكرته؟ هل تريدون أن نتحاسب؟ إذن فلنتحاسب!
قبل سنوات قليلة فقط، وفي عام 2004 تحديداً، حرصت الكتلة الإسلامية على جمع التوقيعات استعداداً للانقلاب على الدستور عن طريق تعديل المادة الثانية، واليوم يقفون من دون خجل أو حياء للدفاع المزعوم عن الدستور! عشية فوز «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بالجولة الأولى من الانتخابات الجزائرية في عام 1991، صرّح نائب الجبهة «علي بلحاج» في مقابلة إذاعية قائلاً: «هذا يوم عرس الديموقراطية... وهذا يوم مأتمها»، ثم تابع حديثه موضحاً:
«هذا يوم عرس الديموقراطية لأنه بواسطة الانتخابات وصلنا إلى الحكم، ولكن هذا يوم مأتمها لأن الديموقراطية نظام كافر ولا علاقة له بالإسلام، وبالتالي يوم سنستلم الحكم سنلغي الديموقراطية ونقيم الحاكمية الإلهية»! (صحيفة «الرياض»، 8 يونيو 2006).
هل يختلف ما قاله «بلحاج» عمّا كتبه عضو المكتب السياسي في «حزب الأمة الكويتي» حول ضرورة دخول الأحزاب الإسلامية المعترك السياسي بهدف الانقلاب على القوانين الوضعية واستبدالها بالشريعة الإسلامية؟! (انظر كتاب «الحرية أو الطوفان»، للدكتور حاكم المطيري، صفحة 344). الديموقراطية في الدول المتحضرة تجري تحت شعار «شخص واحد، صوت واحد»، وذلك في إشارة إلى تساوي المواطنين في وزنهم الانتخابي، ولكن الأحزاب الدينية شوّهت الديموقراطية لدينا بطريقة أصبح الشعار فيها «شخص واحد، صوت واحد، مرة واحدة»! (انظر كتاب The Future of Freedom، صفحة 121).
قبل سنوات قليلة أيضاً، وفي عام 2003 تحديداً، كتب رئيس تحرير صحيفة «الوطن» السابق والمرشح الحالي مقالاً ينتقد فيه مَن طالبوا بفصل رئاسة مجلس الوزراء عن ولاية العهد، حيث قال مهاجماً السيد أحمد السعدون من دون أن يذكره بالإسم:
«لقد بلغ الأمر حداً مقززاً فعلاً، فقد شعرت بالغثيان وأنا أقرأ تفاصيل خطاب جماهيري لأحد المرشحين النواب الأسبوع الماضي، حيث كان يستخدم ذلك الخطاب لإيصال مَن يعنيهم الأمر بأنه على استعداد لدعم فكرة فصل رئاسة مجلس الوزراء عن ولاية العهد مقابل حصوله هو على الدعم في رئاسة مجلس الأمة» (انظر «القول الفصل في مسألة الفصل»، صحيفة «الوطن»، 28 يونيو 2003).
هل شعر المرشح محمد الجاسم بالغثيان وهو يستمع إلى مطالبة السعدون برحيل رئيس مجلس الوزراء في ساحة الإرادة يوم الأحد الماضي؟ هل مازال يرى أن تصريحات السعدون تنطوي على صفقة للوصول إلى رئاسة المجلس؟ إذا تعاملنا مع الاقتباس أعلاه بشيء من الجدية، فهل نعتبر مشاركة الجاسم في هذا الاعتصام كافية لنفي وجود أي صفقة، أم أن المشاركة ذاتها هي بمنزلة دخول الجاسم طرفاً في صفقة سياسية؟ ثم ما الذي تغير كي ينضم الجاسم إلى هذا الخطاب الجماهيري الذي طالما سبب له الشعور بالغثيان؟!
الانتخابات تفضي إلى الفوز أحيانا، وإلى الخسارة أحيانا أخرى، لكن هناك أشياء إن خسرناها فمن المحتمل جداً أن نفشل في استعادتها ثانية، وأهم هذه الأشياء هو احترام الذات. تتعدد شعارات المرشحين في شكلها ومضمونها، ولكن شعار الناخبين ينبغي أن يكون ثابتاً لا يتبدل، وهو شعار موجه إلى كل مرشح: إذا أردت من الناس أن تحترمك فعليك أن تحترم عقولهم!

ليست هناك تعليقات: