الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار مع الذات(6)

· متى نستطيع القول إن لدينا نظاما تعليميا مميزا؟ بمعنى آخر، ما ملامح النظام التعليمي الناجح؟
أعتقد أن هذا السؤال، على الرغم من أهميته، يعتبر سؤالا ثانويا إذا ما قورن بالسؤال التالي: لماذا نريد نظاما تعليميا ناجحا؟ هذا هو السؤال الأهم، وإذا استطعنا العثور على إجابة مقنعة لهذا السؤال تحديدا، فإن عملية الإجابة عن بقية الأسئلة تصبح في متناول اليد! سبق أن ذكرت أهمية الربط بين ما يتعلمه الطالب في المدرسة وبين ما يراه في واقع الحياة، والنظام التعليمي الناجح هو الكفيل بضمان عملية الربط هذه! النظام التعليمي عبارة عن مرحلة تأهيل لخوض معترك الحياة، وليس ثمة سلاح أكثر كفاءة لهذا الغرض من سلاح ملكة التفكير النقدي· نريد نظاما تعليميا ناجحا لأننا نريد عقولا حرة، ذلك أن العقول الحرة لا تخدعها الخطب الرنانة، ولا تستميلها الشعارات السياسية الخاوية، ولا تستغفلها التصريحات الرسمية الكاذبة! العقول الحرة أقرب إلى الشك منها إلى الطمأنينة، والشك يغدو فضيلة في مجتمع يرتكز على المسلمات! بعبارة واحدة، نريد نظاما تعليميا ناجحا لأننا نريد أن نحمي أفراد هذا المجتمع من كل أنواع الاستغلال والعبودية!

· كيف تحمي ملكة التفكير النقدي أفراد هذا المجتمع من الاستغلال والعبودية؟ هل لك ببعض الأمثلة؟
التفكير النقدي يدفعك إلى طرح أسئلة حيوية حول كل الأمور التي تدور من حولك، وعملية طرح الأسئلة دليل على أن العقل في نشاط مستمر، وعندما يكون العقل على هذه الصورة يصبح من المستحيل أن تكتسب فكرة ما من دون إخضاعها إلى التدقيق واختبار مدى صحتها! من هنا تكون ملكة التفكير النقدي سلاحا في وجه شتى أشكال الاستغلال والعبودية، إنها الملكة التي تحميك من خطيب يدغدغ عواطفك، ومن مرشح محتال يريد صوتك، ومن تصريح رسمي يحاول تضليلك، ومن إعلان تجاري ينوي خداعك! إنها الملكة التي تتيح لك أن تختبر مفاهيم في غاية الحيوية كمفهوم الدولة، أو الدين، أو الوطنية، أو القبيلة، أو الأسرة، بدلا من قبول هذه المفاهيم على علاتها!
باختصار، إن ملكة التفكير النقدي هي من تضمن احترام العقل وصون كرامته!

· وماذا عن النظام التعليمي في صورته الراهنة؟
هي صورة مؤسفة بلا أدنى شك، فالنظام التعليمي الحالي لا يشجع الطالب على طرح الأسئلة، بل ينتظر منه أن يجيب عن الأسئلة المعدة له سلفا! ليس بإمكانك أن تستمع إلى نقاش مثمر في صفوفنا الدراسية، فلا صوت يعلو على صوت المدرس! ينبغي أن نلاحظ أيضا أن هناك علاقة وثيقة بين هذا المستوى المتواضع للنظام التعليمي من جهة، وبين كفاءة بعض أساتذة الجامعة وكتاب الصحف من جهة أخرى! مخرجات التعليم الرديئة لا تجبر أستاذ الجامعة على أن يحسن من مستوى أدائه الأكاديمي، فهو واثق أنه لن يتلقى من طلبته أسئلة من العيار الثقيل تجبره على إعادة النظر بهذا الكم الهائل من الدروس المكررة! من جانب آخر، في ظل مخرجات التعليم الحالية، لا يجد أغلب كتاب الصحف حاجة ضرورية في تكثيف القراءة للارتقاء بمستوى المواضيع التي يطرحونها، فيكفي أن تتناول أي موضوع تشاء بكل سطحية دون أن تشعر بأنك أهنت عقول من تكتب لهم! بل إن بعض الكتاب لا يخجل أن يسأل من خلال زاويته اليومية عن صديقه الذي لم يره في "الديوانية" ليلة البارحة!

· النظام التعليمي في صورته الراهنة، حسب رأيك، ينتج قوالب متشابهة، لا عقولا حرة، أليس كذلك؟
بكل تأكيد، وسأعطيك مثالا بسيطا كدليل على ذلك، هل لاحظت كيف تشترك جميع طالبات المدارس في طريقة إلقاء الشعر؟ إنه لمن المدهش حقا أن تكون لجميع الطالبات الطريقة ذاتها في إلقاء قصيدة من الشعر، إنك تلاحظ اللحن نفسه، والوقفة نفسها، بل تلويح اليد ذاتها أيضا! هل من المعقول أن تكون هذه مجرد مصادفة؟ من المخجل حقا أن تمتد عملية قولبة العقول البشرية حتى إلى مشاعرنا وأحاسيسنا الإنسانية، فما إلقاء الشعر في نهاية المطاف سوى تعبير عن هذه المشاعر والأحاسيس!

يتبع···

ليست هناك تعليقات: