الأربعاء، 8 يوليو 2009

جذور الفشل الديموقراطي


أعتقد أن الوضع السياسي في الكويت هو إلى دكتاتورية الأغلبية أقرب منه إلى الفوضوية، ونظرة خاطفة إلى نوعية التشريعات والقوانين الصادرة عن مجلس الأمة كفيلة بإثبات صحة هذا الاعتقاد.
من بين وجهات النظر المتباينة حول مستقبل الديموقراطية الكويتية، إن جاز التعبير، هناك نظرة تقدمية تدفع باتجاه إشهار الأحزاب السياسية والتداول السلمي للسلطة، وهناك نظرة رجعية تحرص على الانقضاض على الدستور والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحادي عشر من نوفمبر من عام 1962. على الرغم من تعاطفي مع النظرة التقدمية وتأييدي لها، فإني أعتقد أن جذور الفشل الديموقراطي في الكويت تمتد إلى أبعد من غياب الأحزاب السياسية، وسأبين هنا الأسباب التي تدفعني إلى مثل هذا الاعتقاد.
هناك علاقة جدلية بين الفرد والمجتمع، والعثور على نقطة الاتزان في هذه العلاقة، هو مفتاح النجاح لأي نظام ديموقراطي. إذا مال ميزان القوة باتجاه المجتمع على حساب الفرد، فإن النتيجة هي دكتاتورية الأغلبية، وإذا مال ميزان القوة باتجاه الفرد على حساب المجتمع، فإن المحصلة هي الفوضوية. الإفراط في المحافظة يؤدي إلى النتيجة الأولى، والإفراط في الليبرالية يقود إلى النتيجة الثانية، ولكن مصير الديموقراطية هو الفشل في كلتا الحالتين. أعتقد أن الوضع السياسي في الكويت هو إلى دكتاتورية الأغلبية أقرب منه إلى الفوضوية، ونظرة خاطفة على نوعية التشريعات والقوانين الصادرة عن مجلس الأمة كفيلة بإثبات صحة هذا الاعتقاد.
هناك أيضا ثلاثة أنواع من السلطة ساهمت إلى حد كبير في تحجيم المواطن الكويتي وسلب إرادته، وهي إرادة كان من المفترض أن تؤدي إلى اعتماد المواطن على نفسه من حيث هو فرد، والحكم على الأمور من منظور شخصي من حيث هو ناخب.
أولها: لدينا سلطة سياسية تنتهج أسلوب الدولة الرعوية، وهو أسلوب يضمن تبعية المواطن للدولة وعدم بلوغه مرحلة الفطام طوال حياته. ثانيها: لدينا سلطة دينية تستثمر علاقة العبد بربه لزيادة رصيد أصواتها الانتخابية. وثالثاً، لدينا سلطة اجتماعية تعوّل على قصص التراث ورابطة الدم لضمان الدفاع عن مصالحها تحت قبة البرلمان. ليس مستغربا أن تكون الأغلبية البرلمانية منحصرة عادة في تيار الحكومة والتيار الديني والتيار القبلي، فكل تيار على حدة نجح في إثبات أن لديه من السلطة ما يكفي لسحق إرادة الناخب أمام صندوق الاقتراع! إذا لم تمنح صوتك لأتباع الشيخ فأنت جاحد للنعمة، وإن لم تمنح صوتك لأتباع شيخ الدين فأنت عبد مارق، و إذا لم تمنح صوتك لأتباع شيخ القبيلة فأنت ابن عاق، وهكذا تضيع إرادة المواطن ليتقاسمها الشيوخ!
ليس لدي اعتراض على مبدأ التأثير في إرادة الناخب، فعالم السياسة قائم على «البروباجندا»، ولكن اعتراضي هو على استبعاد التفكير النقدي كوسيلة مشروعة للتأثير على إرادة الناخب، وهو تأثير يحترم عقل المواطن ويعيد له إرادته السياسية المسلوبة. لن ترتقي بنا الديموقراطية حتى نرتقي نحن بها، والارتقاء بالديموقراطية يعني المحاولة الجادة لخلق مواطن ملم بمبادئ التفكير النقدي، مواطن يعرف جيداً متى ينتهك المجتمع حقوقه باسم الأغلبية، ومتى يتعدى هو على حقوق المجتمع باسم الفردية، مواطن لا تسلب إرادته السياسية منحة حكومية، أو فتوى دينية، أو نخوة عشائرية! عملية الاقتراع هي عملية اختيار، وكلما استند هذا الاختيار إلى حجج منطقية زادت فرص نجاح الديموقراطية. هنا، تحديداً، يبرز دور التفكير النقدي كأداة تضمن حماية إرادة الناخب من معايير ليست لها علاقة بالعملية السياسية، فمدى قرب المرشح من الأسرة الحاكمة لايصلح أن يكون حجة لاختياره، وطول اللحية وقصر الدشداشة لايجعلان من المرشح سياسياً محنكاً، ومتانة الأحبال الصوتية والحرص على التواصل الاجتماعي لايدلان بالضرورة على مرشح كفء!
الدعوة إلى إشهار الأحزاب السياسية خطوة إيجابية على الطريق الصحيح، لكنها لن تضمن نجاح الديموقراطية، فقبل أن نطالب المواطن بإدراك معنى العمل الحزبي والإيمان بقائمة من الأهداف المشتركة، علينا، أولاً، أن نعيد إليه إرادته السياسية، وعلينا، ثانياً، أن نحفظ حقوقه الأولية من استبداد الأغلبية، وليس من سبيل إلى ذلك إلا من خلال اللجوء إلى العقل واعتماد مبادئ التفكير النقدي.

ليست هناك تعليقات: