الأربعاء، 29 يوليو 2009

الثنائية المزيفة: إما حكم الأغلبية... وإما حكم الأقلية 1/2

ضمن المغالطات المنطقية في علم المنطق، هناك مغالطة تعرف باسم «الثنائية المزيفة» أو false dichotomy، والسبب في زيف هذه الثنائية هو أنها تجبرنا على الاختيار بين خيارين اثنين فقط، مع تجاهل وجود خيارات أخرى محتملة. مثلا، عندما وجّه الرئيس الأميركي الحالي خطابه إلى العالم بأسره قائلا «إما أن تكونوا معنا، وإما أن تكونوا ضدنا»، تجاهل الرئيس وجود خيارات أخرى، مثل خيار التزام الحياد، أو حتى خيار عدم الاكتراث بأحداث الحادي عشر من سبتمبر برمتها، وبدلاً من أن ينبه «بن لادن» الرئيسَ الأميركي لهذا الخلل المنطقي، راح يحذو حذوه مرتكباً الخطأ نفسه من خلال ثنائية «فسطاط الكفر
وفسطاط الإيمان»! أريد من خلال هذا المقال التطرق إلى إحدى الثنائيات المزيفة، وهي ثنائية تجبرنا على الاختيار بين اثنتين: إما الديموقراطية (حكم الأغلبية) وإما الأوتوقراطية (حكم الأقلية).
لو نظرنا إلى الصراع الدائر منذ عقود من الزمن بين تيارات الإسلام السياسي وبعض الأنظمة الشمولية، نجد أن كلا الطرفين يحتكم إلى ثنائية مزيفة تختلف صيغتها باختلاف المصدر، فبالنسبة إلى الجماعات الإسلامية، تتخذ هذه الثنائية الشكل التالي «إما الحرية، وإما العبودية»، أما في حالة الأنظمة الشمولية، فإن الثنائية تكون على النحو التالي «إما الشدة، وإما الفوضى»! لو عقدنا مقارنة سطحية بين هاتين الصيغتين، لأصبح في إمكاننا القول إن الخلاف بين الطرفين لا يعدو أن يكون اختلافاً في المفاهيم، فالحرية والعبودية بالنسبة الى طرف ليستا سوى فوضى وشدة بالنسبة الى طرف آخر! ما سبب هذا الاختلاف في المفاهيم؟ يشترك كلا الطرفين في هدف الاستيلاء على السلطة، لكن خطاب كل منهما موجه إلى جهة مغايرة، فمن خلال شعار «إما الحرية وإما العبودية» تهدف التيارات الإسلامية إلى استمالة الشعوب العربية لمصلحتها، وعن طريق شعار «إما الشدة وإما الفوضى» تحرص الأنظمة الشمولية على إقناع المجتمع الدولي بأهمية بقائها على رأس السلطة! لو صرفنا النظر عن طموح كلا الطرفين في الوصول أو البقاء في السلطة، لوجدنا أن كلا الشعارين السابقين ينتميان إلى نفس الأصل، وهو أصل يشير إلى الثنائية المزيفة التالية «إما حكم الأغلبية، وإما حكم الأقلية». لكن هل نحن فعلا أمام خيارين لا ثالث لهما؟
كي نجيب عن هذا السؤال بطريقة موضوعية، دعنا أولا نختبر حجة كل طرف في الترويج لشكل الحكم المرغوب فيه، ولنبدأ بحرص التيارات الإسلامية على التمسك بالديموقراطية والاحتكام إلى رأي الأغلبية. لا يُخفي الكتّاب والباحثون الإسلاميون إعجابهم بالديموقراطية الغربية، فالانتخابات النزيهة والتداول السلمي للسلطة ومحاسبة السلطة التنفيذية هي من بين الأمور التي يرغب الإسلاميون في تطبيقها في بلادهم، ومنهم من يتواضع فيعترف بالأصل الغربي لهذا النموذج السياسي، ومنهم من يكابر فيبحث عن جذور له في التراث الإسلامي!
لكن هناك أمر مهم غفل عنه الإسلاميون في بلادنا، فعلى الرغم من أن الديموقراطية تعتبر شرطاً ضرورياً في نجاح النموذج السياسي الغربي، فإنها لا تعد شرطاً كافياً لهذا النجاح. لقد وصل «هتلر» إلى رأس السلطة عن طريق صناديق الاقتراع من خلال انتخابات نزيهة وضمن إطار ديموقراطي لا غبار عليه، وكلنا يعلم حجم الدمار الذي لحق بالعالم بأكمله بعد تسلم الحزب النازي السلطة في ألمانيا. بوسعنا أن نصف «هتلر» بكل الأوصاف الشنيعة، لكننا لا نستطيع أن ننكر أنه كان نتاجا للديموقراطية! بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، تعلم الأوروبيون الدرس، ولقد كان درساً قاسياً سبقهم الأميركيون في تعلمه بقرنين من الزمن، وهو أنك لا تستطيع أن تفصل الحقوق السياسية عن الحقوق المدنية، فكلاهما مكمل للآخر، فالنظام الديموقراطي لابد أن يرتكز على ليبرالية دستورية تضمن حق الأفراد في الحياة والتعبير عن الرأي والمعتقد، فمن دون هذه الضمانات لاشيء يستطيع كبح جماح الأغلبية وتعديها على حقوق الأقلية باسم الديموقراطية!

يتبع،،،

ليست هناك تعليقات: