الأربعاء، 29 يوليو 2009

الثنائية المزيفة: إما حكم الأغلبية وإما حكم الأقلية

من الضروري التفريق بين الديموقراطية والليبرالية الدستورية من حيث وظيفة كل منهما، فبينما تكتفي الديموقراطية بتحديد هوية مَن يحكم، تختص الليبرالية الدستورية بوضع قيود على آلية الحكم، وهي قيود تهدف إلى حماية الحقوق الأولية للفرد بصرف النظر عن هوية من يمسك بزمام السلطة. المشكلة الأساسية في وصول حزب إسلامي إلى السلطة تكمن في أن أيديولوجية هذا التيار تتعارض مع أبسط مبادئ الليبرالية الدستورية، مثل حريات التعبير والاعتقاد والملكية والمساواة أمام القانون وفصل الدين عن السياسة. هذا يعني أن وصول حزب إسلامي إلى السلطة لايشكل خرقاً للديموقراطية، بل انتهاكاً لمبادئ الليبرالية الدستورية. حرص التيارات الدينية على الاحتكام إلى رأي الأغلبية يتضمن دعوة مشروعة إلى ضمان حقوق الفرد السياسية، ولكنها دعوة تصرف النظر عن حقوقه المدنية. من هنا نستنتج أن «حكم الأغلبية» لا يعد الخيار الوحيد في مقابل خيار «حكم الأقلية»، فهناك حكم للأغلبية مشروط بضمانات المحافظة على حقوق الفرد المدنية، وهناك حكم للأغلبية لايعترف بهذه الضمانات!
نأتي الآن إلى الطرف الآخر من الثنائية المزيفة، وهو «حكم الأقلية». تستمد الأنظمة الشمولية مشروعيتها في البقاء على رأس السلطة من خلال رسالة بسيطة المضمون وموجهة إلى المجتمع الدولي، وفحوى هذه الرسالة هي أن «البديل الديموقراطي» سيؤدي إلى نتائج أكثر خطورة! منطقياً، هذه الحجة تقدم تفسيراً لغياب الحريات السياسية، ولكنها لاتفسر السبب وراء غياب الحريات المدنية، ذلك أن الضرورة، في أي أوتوقراطية (حكم الأقلية)، تتعلق فقط بغياب الديموقراطية، ولاترتبط بمسألة وجود أو عدم وجود ليبرالية دستورية. هناك بلدان غير ديموقراطية يتمتع سكانها بحريات مدنية تفوق بكثير مستوى الحريات في دول أخرى ديموقراطية، ولعل «هونغ كونع» هي المثال الأبرز لهذا النوع من البلدان. من هنا نستنتج أن «حكم الأقلية» لايعد الخيار الوحيد في مقابل خيار «حكم الأغلبية»، فهناك حكم لأقلية تنتهك الحقوق السياسية للفرد من دون الإضرار بحقوقه المدنية، وهناك حكم لأقلية لاتتورع عن انتهاك كلا النوعين من الحقوق!
على ضوء ما تقدم، يصبح من المنطقي القول إن ثنائية «إما حكم الأغلبية وإما حكم الأقلية» تشير إلى ثنائية مزيفة، والسبب في زيف هذه الثنائية يكمن في استبعادها لإمكان وجود ليبرالية دستورية كأساس لنظام ديموقراطي أو حتى أوتوقراطي. إن قبول الفرد هذه الثنائية المزيفة يعني بكل بساطة التنازل عن حقوقه المدنية، فهذه الثنائية بشقيها لاتتضمن هذا النوع من الحقوق! يبقى هناك سؤال مهم: ما السبب في طغيان هذه الثنائية المزيفة وانتشارها في المحيط السياسي العربي على وجه الخصوص؟
هناك علاقة تصادم بين الأنظمة العربية الشمولية وتيارات الإسلام السياسي، ولعل أبرز ما يميز هذه العلاقة بين الطرفين هو الحقيقة التالية: كلما زاد مقدار القوة عند طرف، زادت مشروعية الطرف الآخر! قسوة الدكتاتور العربي على الجماعات الإسلامية تزيد من مقدار التعاطف الشعبي مع هذه الجماعات، وبروز شوكة التيارات الإسلامية يوفر الأرضية المناسبة التي تستمد من خلالها الأنظمة الشمولية مشروعيتها الدولية. إن حيوية هذه العلاقة المتبادلة بين التيارات القومية والتيارات الإسلامية، رغم مرور أكثر من نصف قرن على نشوئها، تقف في وجه كل مشروع إصلاحي حقيقي يهدف إلى بناء مجتمع مدني على الخارطة العربية، ويبدو أننا مازلنا ندفع ضريبة استبدال حكومة «الطرابيش» بحكومة «البزات العسكرية»!

ليست هناك تعليقات: