الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار مع الذات(1)

"عندما تجد شخصا ما جالسا لوحده ومن دون حراك فلا تظن أنه لا يعمل، بل هو يفكر، ولعمري إن هذا لعمل شاق!"·
جملة قالها مرة "بات دويل"، أستاذي الذي علمني مادة الفيزياء!
أ - حول العلاقة بين العلم والإيمان·
س: هل من الممكن أن يتعايش العلم مع الإيمان في حياة الفرد؟
ج: في حياة الأفراد، إذا لم يتمكن العلم الصرف من القضاء على الإيمان الخالص فإنه حتما سيقوم بتهذيبه! مسألة إمكانية التعايش تعتمد على عوامل عدة، من هذه العوامل مدى القدرة النقدية التحليلية لدى الفرد، حجم الفضول المعرفي عنده، حجم الرواسب الثقافية المكتسبة، سعة التكيف مع المحيط الاجتماعي، إلخ! والتعايش بين العلم والإيمان نوعان: سلبي وإيجابي· النوع الأول هو النوع السائد، للأسف الشديد، في مجتمعاتنا العربية، والسلبية ناتجة من عدم القدرة على طرح أسئلة جوهرية حول العلاقة بين الاثنين! النوع الإيجابي بدوره يكاد يكون منعدما، والإيجابية هنا هي نتيجة صراع داخلي مرير ينتهي عادة بهدنة بين العلم والإيمان، ووجود هذه الهدنة لا يعتبر دليلا على إمكانية التعايش فحسب، بل على قوة الموروث الثقافي وصعوبة تجاوزه!
س: كيف يهذب العلم الإيمان؟
ج: التهذيب يكون من خلال الانتقال بالإيمان من مرحلة التفسير الحرفي للدين الى مرحلة الرمزية، والرمزية عامل ضروري للحد من التناقض الصارخ بين العلم والدين في بعض المسائل الجوهرية، وهي لهذا السبب تساهم في عملية التكيف بين الاثنين، لكن علينا أن نلاحظ أن التكيف يتم حسب شروط العلم، وليس العكس! بمعنى آخر، العلاقة بين الدين والعلم علاقة تسير في اتجاه واحد: من المقدس الى الدنيوي·
س: ما نوعية العلاقة بين المقدس والدنيوي؟
ج: العلم "يدنون" تدريجيا مساحات شاسعة كانت تقع تقليديا تحت سيطرة المقدس· لنأخذ على سبيل المثال اللغة العربية، فقد جرت العادة عند الحديث عن هذه اللغة من منظور ديني على استعمال تعابير مثل "شرف اللغة العربية" وفضلها وتمجيدها من دون بقية اللغات الأخرى، لكن أية دراسة علمية موضوعية للغة العربية ستصف لغتنا بأنها لغة سامية الأصل تنتمي الى عائلة اللغات الأفروآسيوية، لا أكثر ولا أقل! ولنأخذ أيضا مفهوم "السماء" كما ورد في القرآن، فالمعروف أن المفسرين الأوائل لم يجدوا مشكلة في تحديد هذا المفهوم بـ "السقف" الذي نراه أمام أعيننا، لكن في الوقت الحالي ليس بوسع أي رجل دين يحترم عقله إلا أن يبحث عن تفسير آخر أقل مادية من كلمة "سقف"، وهنا إنما تكون الرمزية عاملا ضروريا كما أشرت سابقا!
س: هل بالإمكان وصف عملية تهذيب العلم للإيمان بأنها عملية إيجابية في حياة الفرد؟
ج: ليس في حياة الفرد فقط، بل في حياة الشعوب أيضا وعلاقتها مع بعضها البعض! عملية التهذيب هذه تتناسب تناسبا عكسيا مع التفسير الحرفي لتعاليم أي دين من جهة، وتناسبا طرديا مع التفسير الرمزي لهذا الدين من جهة أخرى، الرمزية مهمة جدا، إنها تخفف من حدة الارتباط العاطفي بين الفرد ومعتقده، ولا تنتهك قواعد التفكير العقلاني السليم، وعندما يكون الأمر على هذه الحال، يصبح من الصعب تخيل نشوب حروب بين الشعوب باسم الدين!
يتبع···

ليست هناك تعليقات: