الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار مع الذات(2)

· إذا كانت الرمزية تساهم بشكل إيجابي في عملية تهذيب العلم للدين، فما خصائص هذه الرمزية؟ وهل نجد لها جذورا في الفكر الإسلامي؟
- هناك مستويات مختلفة للرمزية، وأبسط مستوى هو اللغة المباشرة، فكل كلمة هي رمز لمفهوم مخزن في العقل، وكما قال فيلسوف اللغة الشهير Fodor: "إذا لم تعرف ما هو القط، فلن تعرف ما معنى كلمة قط!"· لكن إذا أردنا أن نقيم علاقة صحية بين العلم والدين، فعلينا قراءة النص الديني من خلال مستوى أرقى من مستوى الرمزية المباشرة في اللغة، وهنا إنما تكمن إحدى النقاط الإيجابية التي ساهم بها المعتزلة في تطور الفكر الإسلامي، فالفكر المعتزلي ما هو إلا محاولة لتهذيب الدين وفقا لشروط الفلسفة، وعصرنا الحالي يحتم علينا تهذيب الدين وفقا لشروط العلم! سأتوقف قليلا لأعطي مثالا لكلتا الحالتين: عندما نقرأ تعابير واردة في القرآن الكريم "ىد الله" و"عين الله"، فنجد أن الفكر المعتزلي يفسر هذه التعابير بطريقة لا تتعارض مع مبادىء الفلسفة، لذا فإن تفسير هذه التعابير يصبح مشروطا بعلاقة الكل بالجزء، فلا يصح عندئذ القول بأن الله يعتمد في وجوده على بقية الأجزاء المكونة له كاليد أو العين! هنا يلجأ المعتزلة الى مستوى من الرمزية أقل مباشرة من مستوى اللغة ليفسروا "اليد" كرمز لقوة الله وقدرته، وهو تفسير نجح في تهذيب الدين حسب مبادىء الفلسفة· من ناحية أخرى، لو عدنا الى مفهوم "السماء" كما ورد في القرآن، فإن أبجديات العلم تحتم علينا أن نبحث عن الرمز الذي تشير اليه كلمة "السماء"، وأن نلغي الى الأبد التفسير السطحي المباشر لهذه الكلمة، ففي نهاية المطاف، ذلك اللون الأزرق فوق رؤوسنا ليس سوى غاز مليء بالشقوق والفروج، كما أنه ليس في حاجة الى أعمدة كي يبقى في مكانه، فقانون الجاذبية يكفي لهذا الغرض!!

· أفهم من ذلك أننا مازلنا ندفع ضريبة الانقلاب على الفكر المعتزلي في تاريخنا الإسلامي؟
- بكل تأكيد، وهي ضريبة فائقة الثمن! تخيل معي لو أن الفكر المعتزلي هو السائد الآن في دولة كالمملكة العربية السعودية - مثلا - بدلا من الفكر السلفي الرجعي، فهل ستكون منطقة الخليج كما هي عليه الآن؟! هل سنواجه مشاكل مخجلة على الصعيد العالمي كحظر مكة على غير المسلمين وقيادة المرأة للسيارة؟! الفكر المعتزلي قدم لنا "التكنيك" الذي من خلاله تتم عملية تهذيب الدين، وأعني به الرمزية، ولكننا لا نجد صدى لهذا التكنيك في وقتنا الراهن مع الأسف!·

· والنتيجة؟
- النتيجة انتشار الخرافة، والخرافة أعرفها كما يلي: الخرافة هي تفسير حرفي "لا رمزي" وغير علمي لظاهرة طبيعية أو نص ديني! تأصل العداء للرمزية في تراثنا الإسلامي بلغ من القوة حدا أصبحنا فيه عاجزين عن رصد الخط الفاصل بين الواقع والخيال، حاول، مثلا، أن تقرأ قصة على رجل مسلم كبير في السن وغير متعلم، إن أول سؤال يتبادر الى ذهن هذا الرجل بعد سماع القصة هو: متى حدث هذا؟! هذا سؤال يعكس فقرا في فهم ما تعنيه كلمة "خيال"، وهي مشكلة ناتجة من مناصبة العداء للرمز في فكرنا الإسلامي! وانظر أيضا الى عملية رمي الجمرات أثناء أداء مناسك الحج، فأنت ترى أن أغلب الحجاج يرمون بقسوة واضحة ذلك العمود المشيد في وسط الدائرة، والبعض منهم يذهب الى أبعد من ذلك ليخاطب ذلك العمود بكلمات فيها من التهديد والوعيد الكثير! لا عجب ولا غرابة، فهذه النوعية من الحجاج لا ترى الرمز الذي يشير اليه ذلك العمود المشيد، بل الشيطان ذاته!
يتبع··

ليست هناك تعليقات: