الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار مع الذات(3)

ب - حول مفهوم الإرهاب الإسلامي:
- مفهوم "الإرهاب الإسلامي" أصبح مفهوما واسع الانتشار، وبات يشكل جزءا مهما من أبجديات وسائل الإعلام العالمية· هل هناك ما يبرر وجود مثل هذا المفهوم؟ وهل تعتبر هذه التسمية منصفة؟
- الإجابة هي "نعم" في كلا السؤالين!
- لكن هناك أنواع كثيرة للإرهاب، فلماذا نركز على نوع ونتناسى البقية؟
- هذه مقولة صحيحة، لكنها لا تصلح أن تكون حجة ضد وجود الإرهاب الإسلامي! التاريخ مليء بأحداث إرهابية، ولا تكاد تسلم أمة من الأمم من المساهمة في تلك الأحداث الدموية، إما في دور جلاد وإما في دور ضحية، فلا يصح إذن أن نستثني "أمة الإسلام" من هذه القاعدة!
- إذا كان الجميع قد شارك في هذه "الرذيلة"، فليس من حق أحد أن يدعي "الفضيلة"، أليس كذلك؟
- لا، ليس كذلك! هذه الطريقة في التفكير لا تترك فرصة لميلاد "الفضيلة"، فضلا عن انتشارها! الطريق الى الفضيلة عسير وشاق كما قال "سير توماس"، لكن هذا لا يمنع من شحذ الهمم لسلوك هذا الطريق! الإرهاب كأداة عنف متجذر في النفس البشرية، أي أن وجوده هو القاعدة ومحاولة مقاومته هي الاستثناء! كان الإنسان البدائي يلجأ في بعض الأحيان الى العنف للمحافظة على بقائه، لكن على إنسان العصر الحديث أن يعي أن استراتيجية العنف للمحافظة على وجوده لن تصبح ضرورة حتمية إن هو آمن بإمكانية التعايش السلمي مع الآخر·
- هناك من يعتقد أن الإرهاب الإسلامي ما هو إلا نوع من أنواع المقاومة!
- نعم، وهناك أيضا من يعتقد أنه امتداد لغزوات "مقدسة" لكن كل هذه المعتقدات تتضمن فكرة خطيرة، وهي فكرة تبرر وجود العنف بطريقة تثير الاشمئزاز! من جهة أخرى، لا حظ أنك قلت: "نوع من أنواع المقاومة"، إذن هناك أنواع أخرى للمقاومة من دون الحاجة الى اللجوء الى العنف! لماذا ترتبط كلمة "المقاومة" ارتباطا قويا بكلمة "العنف" في قاموسنا العربي والإسلامي؟ ما إن ترد كلمة "مقاومة" حتى نفسرها بطريقة آلية على أنها "مقاومة مسلحة"!!
- ربما لأننا شعوب مقهورة، ألا تعتقد ذلك؟
- أو ربما لأن العنف ليس متجذرا في نفسيتنا فحسب، بل في تراثنا أيضا! إذا لم نسارع الى إعادة قراءة النص من خلال التجديد في التفاسير الموروثة، فإن طوق العزلة الذي يحيط بهذه الأمة لن يزداد إلا انغلاقا!
- الإسلام دين محبة وتسامح، لا أحد يجادل في ذلك!
- أعتقد أن كلامك سيكون أكثر دقة لو أنك قلت: "لا أحد يستطيع أن يجادل في ذلك!"· نعم، الإسلام دين محبة وتسامح كما تقول، لكن هذه ليست هي الحقيقة كاملة، بل نصفها! فلنحطم الطوق الحديدي الذي يحيط بالمقدس في تراثنا، ولنخضع هذا المقدس للبحث الموضوعي، ولسوف ترى أن مقولة "الإسلام دين محبة وتسامح" لا تعكس الحقيقة كاملة! أذكر مرة أني جادلت صديقا متدينا حول الآية القرآنية التي جاء فيها "إنما المشركون نجس"، فكان رد صديقي أن النجاسة هنا ليست نجاسة بدنية، بل روحية فقط! حسنا، ربما نكون نحن الأمة الوحيدة التي لا ترى في "النجاسة الروحية" أي نوع من أنواع الإهانة للآخر، لكن هل هذا التفسير يصلح لتسويق الإسلام عالميا بصفته "دين محبة وتسامح"؟ أشك في ذلك!
- هل تكمن المشكلة إذن في المقدس ذاته؟
- المشكلة تكمن في فهمنا العقيم لهذا المقدس، وفي عدم رغبتنا في إعادة صياغة الكثير من التفاسير المتحجرة التي لم تعد تتناسب وروح هذا العصر! يجب أن نقرأ المقدس قراءة علمية تضع كل آية في سياقها التاريخي الذي وردت فيه، ومن دون الإصرار على لا تاريخيه هذا النص! هذه ليست دعوة لنبذ الدين، بل هي دعوة الى إعادة قراءة الدين من خلال نظارات حديثة، لا أكثر ولا أقل! إن ما يثير حفيظتي على وجه الخصوص هو هذا الانتقاء المتعمد لنصوص قرآنية دون غيرها، وهو انتقاء يتم حسب المناسبة أو حسب الطلب، فإن كانت هناك حرب يخوضها الروس - مثلا - ضد المسلمين في أفغانستان أو الشيشان، جئنا بسيل من الآيات القرآنية التي تحض على القتال، أما إن كان هناك مؤتمر عالمي ضد الإرهاب، أصبحت الآيات التي تدعو الى السلم هي سيدة الموقف! ربما تنجح هذه الازدواجية على المدى القصير، لكنها قطعا ستفشل على المدى الطويل· هناك الآلاف من النسخ المترجمة للقرآن بلغات أجنبية، أي أننا لم نعد الوحيدين الذين بإمكانهم الاطلاع على النص الأولي بصورة مباشرة، وإن تكن أقل دقة! بالمناسبة، هل سمعت أحدا من المشايخ وأصحاب الفضيلة يستشهد بالآية التي تقول "ترهبون به عدو الله وعدوكم" في مؤتمر عالمي ضد الإرهاب؟! لن تسمع ذلك أبدا، لكنك قطعا ستسمعه يردد عندنا على المنابر بطريقة تثير النفوس وتؤلب القلوب وتشحذ الهمم الى معركة·· خاسرة!
يتبع

ليست هناك تعليقات: