الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار من بعيد(2)

· إذا كانت ردة فعل الشارع الإسلامي ضد الرسومات الكاريكاتيرية تعكس قصورا في فهم الآخر حسب ما تقول، فلماذا لا نقول أيضا إن نشر هذه الرسومات السخيفة يدلل على فهم عقيم للثقافة الإسلامية ومقدساتها؟
- العقم في الفهم عملية متبادلة من دون شك، ولعل السبب في ذلك هو أن التطور الهائل في وسائل الاتصالات لا يقابله تطور مماثل في نوعية العلاقات المتبادلة بين ثقافات شعوب العالم· سأعطيك مثالا، أنت تعرف أن مفهوم "النظام" هو ذلك الكل الذي تربط أجزاءه مجموعة من العلاقات المتبادلة، وتعريف هذه العلاقات هو الذي يحدد وظيفة هذا النظام· سوف نسمي هذا النظام "س"، لكن في مقابل هذا النظام هناك نظام آخر "ص" تحكم أجزاءه علاقات أخرى مغايرة· كلا النظامين يعملان بطريقة منفصلة عن الآخر، لكن ماذا لو أردنا أن نجعل كلا النظامين يعملان سويا عن طريق وصلة مثلا؟ إذا لم نحدد طبيعة العلاقات الجديدة التي سوف تربط بين أجزاء النظامين فإن عملية الدمج ستكون فاشلة بكل تأكيد! علم التكنولوجيا أهدانا الوصلة التي تربط بين شعوب العالم، لكن علم الانثروبولوجيا لا يزال يخفق في العثور على صيغة جديدة لعلاقات جديدة تتماشى مع هذه الوصلة!
· النتيجة إذن هي أن النظام الجديد لا يعمل لأنه عاجز عن تحديد علاقات جديدة تربط بين مكوناته، لكن ما طبيعة هذه العلاقات الجديدة؟
- من الصعب تحديد طبيعة هذه العلاقات، لكن كخطوة مبدئية على الطريق الصحيح علينا أولا أن نستوعب كيفية عمل كل نظام على حدة، الجانب المشرق لكل أزمة بين طرفين هو أن هذه الأزمة ربما ساعدت على تحفيز كلا الطرفين لفهم الآخر، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مثلا، امتلأت المكتبات ودور النشر الغربية بكتب تتحدث عن الإسلام وتاريخه، وتنامى أيضا عدد المؤتمرات والندوات العلمية حول هذا الشأن، لكن في المقابل ما هي ردة فعلنا نحن تجاه الآخر ومحاولة فهمه؟ هناك مسألة تثير الفضول والشفقة معا، وهي أننا مع كل أزمة لنا مع الغرب نسارع في تعريف أنفسنا وتراثنا للآخرين، متناسين أن الغرب قد قام بهذه المهمة من تلقاء نفسه، لكننا في المقابل نحجم عن تعريف الغرب وتراثه لأفراد هذه الأمة، وإن كان ثمة تعريف فعادة ما تشوبه نظرة غير موضوعية ومتحاملة أيضا! خذ على سبيل المثال مفهوم "العلمانية" والذي يعتبر ركيزة أساسية في النظام الغربي، لعلي لا أبالغ إن قلت إن هذا المفهوم هو أكثر المفاهيم تعرضا للتدليس وسوء الفهم في لغتنا العربية، وهو تدليس مع سبق الإصرار والترصد·
· لكن هناك كتاب عرب كانوا وما زالوا يروجون لمفاهيم غربية مثل "العلمانية" و"حرية التعبير" و"حقوق الإنسان" في الأوساط العربية والإسلامية؟
- أولا مصطلح "الترويج" يحمل دلالة سلبية ربما تكون غير مقصودة من طرفك، لكن هذا المصطلح بلغ من الانتشار حدا أصبحنا فيه عاجزين عن إيجاد بديل له، فالفعل "روج" في الأوساط الإسلامية يصلح استعماله في حالة "المخدرات" وفي حالة "المفاهيم الغربية" على حد سواء، فحسب القاموس الإسلامي ليس هناك اختلاف كبير! إن من يتسابقون لحضور المؤتمرات التي تعقد في الخارج للتعريف بالإسلام هم نفسهم من يقودون عملية التشويه المتعمد للمفاهيم الغربية في البلاد الإسلامية! وليتهم اكتفوا بذلك، إذ يبدو أنهم دخلوا الآن مرحلة جديدة من خلال المطالبة بتصدير قانون الرقابة السخيفة على الصحف الى العالم الخارجي، ومن خلال مطالبة الدول الغربية بإيجاد مكان في دساتيرها لقوانين التشريع الإسلامي! لكن مع الأسف الشديد هذه هي مفردات القاموس الإسلامي: الأفكار الغربية المستوردة دخيلة، والأفكار الإسلامية المصدرة ضرورة، الأولى نقمة والثانية نعمة!
يتبع···

ليست هناك تعليقات: