الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار من بعيد(1)

هذه سلسة لحوار من بعيد·· بعيد زمانا ومكانا!
- الآن وبعد أن هدأت العاصفة وأصبح بإمكاننا أن نفكر بهدوء، لم يزل هذا السؤال يتبادر الى ذهني: ما هي الدروس التي من الممكن استخلاصها من الأزمة التي حدثت مؤخرا بين الدنمارك من جهة والدول الإسلامية من جهة أخرى؟
- الأزمة في واقع الأمر لم تكن بين الدنمارك ودول إسلامية، بل بين صحيفة دنماركية من جانب وأقلية دنماركية مسلمة من جانب آخر· هذا هو التشخيص الأولي للأزمة في مراحلها الأولى، على الأقل، لكن فيما بعد كان من الواضح وجود جهات معينة تدفع باتجاه بلوغ الأزمة الى مستويات أعلى على الصعيدين السياسي والإعلامي· إن صدق التقرير الذي ورد في مجلة The Economist من شهرفبراير الماضي، فإن تصدير الأزمة الى دول الشرق الأوسط وبقية العالم الإسلامي جاء حسب خطوات مدروسة وتخطيط مسبق!
ردة الفعل لدى الشارع العربي والإسلامي عفوية وصادقة، وردة الفعل من جانب الحكومات العربية عفوية وصادقة أيضا، لكن العفوية والصدق في كلتا الحالتين يعكسان بدائية في طريقة التفكير، فمثلما كان الإنسان البدائى يسبغ عواطفه وأحاسيسه على مظاهر الطبيعة من حوله، فإن الإنسان العربي الحديث يسبغ شكل نظام الحكم لديه على بقية أنظمة دول العالم! إن مقاطعة البضائع وحرق السفارات وسحب السفراء كلها مؤشرات تدل على أننا مازلنا عاجزين عن استيعاب مفهوم الدولة الحديثة· في دولة المؤسسات ليس هناك مكان للعقاب الجماعي، وفي دولة المؤسسات لا معنى لمفهوم "أولي الأمر"، وفي دولة المؤسسات لا أثر للوصاية الحكومية على الصحف!·
- لكن تبقى صحيفة "جيلاندس بوستن" الدنماركية مسؤولة عما اقترفت يداها، أليس كذلك؟
- مفهوم المسؤولية لدى العرب يختلف اختلافا جذريا عن مفهوم المسؤولية لدى الغرب، وهو اختلاف يعكس ذلك النوع من البدائية في التفكير والذي أشرت إليه منذ قليل· لو نظرنا إلى تاريخ المصطلحات اللغوية، فبإمكاننا أن نرصد أثر الجذور الفكرية لكل أمة· لغويا، كلمة responsebility مشتقة من الفعل اللاتيني respondere أي "أجاب"، بينما المصطلح العربي "مسؤولية" مشتق من الفعل "سأل"· هذا اختلاف يستحق أن نتوقف عنده قليلا، إذ إن مصطلح "المسؤولية" في الفكر الغربي يقتصر في الأصل على فعل ذاتي داخلي، بينما المصطلح العربي يشير الى فعل لاذاتي وخارجي· بمعنى آخر، المسؤولية عند الغرب لها دلالة مرتبطة بقدرة الفرد على الاستجابة، لكن دلالة المسؤولية لدينا ترتبط بخوف الفرد من المحاسبة! من هنا تكون الإجابة عن سؤالك نعم الصحيفة الدنماركية مسؤولة عما نشرته، لكن المسؤولية هنا يجب أن تفهم بمعناها الغربي، وأية محاولة لقراءة هذا المصطلح من خلال الأصل العربي للكلمة سيؤدي بطبيعة الحال الى قصور في فهم الآخر، وهو قصور قد يستفحل إلى درجة تقاطع فيها البضائع وتحرق السفارات ويسحب السفراء كما شاهدنا مؤخرا!
يتبع

ليست هناك تعليقات: