الاثنين، 6 يوليو 2009

أسطورة بابا نويل

قرب الحدود الإسبانية البرتغالية، هناك دير يقع في قمة جبل، يقطنه مجموعة من الرهبان في عزلة أبدية! المكان يعرف باسم "لاس باتويكاس"، وهو مكان جميل تحفه الأشجار من كل جانب، ويمر به جدول صغير· للدير موردان من الرزق: هبات المحسنين، وتأجير بعض الغرف لمن أراد الهروب المؤقت من صخب الحياة ومشاغلها! اعتدت الذهاب إلى هناك والمبيت ليلة أو ليلتين كلما سنحت الفرصة، وفي كل مرة يلفت انتباهي راهب ليس كبقية الرهبان!
أراه دائما جالسا لوحده، وكأنه لم يكتف بهذه العزلة عن العالم الخارجي فجعل يعزل نفسه أيضا عن أقرانه في الدير! اقتربت منه متلطفا يدفعني الفضول، وكم أدهشني بدماثة خلقه وجمال حديثه! تحدثنا في كل شيء تقريباً، عدا الدين، إلى أن انتهينا إلى قصة "بابا نويل"، وما سمعته من الراهب حول هذه القصة يختلف تماما عما قرأته من قبل!
تحدث الراهب قائلاً:
"كانت هناك قرية لايسكنها إلا الأطفال، لكنهم أطفال يمتازون بخيال خصب، ولعل هذه الميزة هي السبب وراء المشكلات التي عانوا منها فيما بعد، ففي يوم من الأيام، دبّت الفرقة بين أطفال القرية، واشتدت الخصومة بينهم فانقسموا إلى ثلاثة فرق: فريق يزعم أن بابا نويل لا يأتي بالهدايا إلا لهم وحدهم، وفريق ثان يؤكد على أن لبابا نويل أشكالا مختلفة، لكنه يأتي بالهدايا للجميع، أما الفريق الثالث من الأطفال فيصر على أن بابا نويل واحد لا شريك له، والهدايا هي من نصيبهم هم وحدهم!"·
ثم يتابع الراهب:
"استمرت الخصومة بين الأطفال وقتاً طويلاً، ولم تزدهم تلك الخصومة إلا انقساما على انقسام، وما اتحدوا قط إلا في شيء واحد: الجميع في انتظار بابا نويل وكيسه المليء بالهدايا! لكن الهدايا لم تصل بعد، وأحسب أنها لن تصل أبداً! أعظم هدية هي أن تدرك أن ليس ثمة هدية، وهذا بالضبط ما عجز الأطفال المساكين عن فهمه واستيعابه! لو أدركوا هذه الحقيقة لاستحالت الخصومة فيما بينهم إلى صداقة دائمة، ولانقلبت عبودية الانتظار إلى حرية الاختيار!"·
قام الراهب من مكانه ملقيا عليّ تحية الوداع، فأسرعت أسأله: "هل أنت أحد أفراد تلك القرية؟" تبسم الراهب وأجاب: "كنت!"·
قبل أن يخفيه الظلام عائداً إلى مخدعه، توقف الراهب ليقول: "تذكر أنها قرية أطفال، وأنا لم أعد طفلاً!"·

ليست هناك تعليقات: