الاثنين، 6 يوليو 2009

حلقات الذكر وحلقات الفكر(3)

لاحظنا في مقال الأسبوع الماضي أن أيا من السائلين لم يتطرق في سؤاله الى موضوع حلقة الذكر، ورغم ذلك لم تخلُ الحلقة من تأثير على عقلية المصلين، فالمصلي الأول يبدأ سؤاله قائلا: "أنا طالب في ديار الكفر"، وهذا كلام ينسجم تماما مع مضمون موضوع الحلقة، فهو يدل على عقلية غير متسامحة مع ثقافات الآخرين· المصلي الثالث بدوره، والذي بدا مترددا في ابتعاث ابنه الى الخارج، يتساءل: "هل أتركه يذهب؟"، صياغة السؤال بهذه الطريقة تنسجم هذه المرة مع شكل حلقة الذكر، ففي الحلقة الدينية يكون رجل الدين هو المرسل والبقية مجرد متلقين، وفي هذا وصاية على عقول الآخرين وحياتهم، أما المصلي الثاني فقد رأى في رجل الدين محللا نفسانيا، وهو في تجاوزه هذا لوظيفة "رجل الدين" ينسجم أيضا مع تجاوز رجل الدين نفسه لمفهوم "الذكر"، والخوض في أمور سياسية بحتة، الطريف في الأمر أن رجل الدين يختم إجابته قائلا: "وأمر أهلك بالدعاء والاستغفار"، لا أدري ما قيمة الدعاء والاستغفار إن كانا أمرا مفروضا من قبل إنسان آخر؟! ثم هل في ذلك شيء من الصدق مع النفس؟!
الحضور الكثيف لحلقات الذكر ليس مرده الى جاذبية هذه الحلقات، بل لأنها مفروضة بصورة ضمنية من قبل سلطة المجتمع، فأغلبية أفراد المجتمع تحضر خطبة الجمعة، وهي تعتبر أبرز مثال لحلقات الذكر، ورغم ذلك لا يملك المرء إلا أن يندهش من تدافع المصلين في الخروج بعد انقضاء الصلاة وكأنما حريق شب في المسجد، قد يقول قائل: لم يحضرون إذن؟ وأجيبه: وهل يملكون عدم الحضور، أليس حضور عشرة مصلين صادقين مع أنفسهم خيراً من ألف من المرغمين؟! مع هذا أجد من الظلم أن نصف من يحضر مرغما الى صلاة الجمعة بالنفاق، فالنفاق لا يكون في انعدام الحرية: اعطوا الفرد حريته أولا، وانعتوه بعد ذلك بالنفاق ما شئتم·
جرّبوا أن تسألوا أحدهم عن موضوع خطبة الجمعة في الأسبوع الماضي وأنا زعيم لكم بأنه لن يتذكر شيئا على الإطلاق، على من تقع تبعة النسيان يا ترى: على المصلي المرغم أم على الخطيب الفاشل؟! أقولها بصراحة ومن تجربة شخصية: إن من يحضر خطبة الجمعة ويحترم عقله في الوقت نفسه لن يجد شيئا أكثر إفادة من رصد الأخطاء النحوية التي يقع فيها الخطيب·

هناك تعليق واحد:

Nasser يقول...

الطليعة 18 يونيو 2004