الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار من بعيد(4)

· ما هي الخطوات الأولية التي ينبغي اتخاذها لتدشين عملية الإصلاح في الكويت؟
- عندما يدور الحديث حول مفهوم "الإصلاح" فإن أول سؤال ينبغي طرحه هو: إصلاح ماذا؟ أي أن الأمر بحاجة إلى عملية تشخيص أولية لمعرفة أين يكمن الخلل! أبرز ملامح الخلل في الكويت كدولة تتجسد في النظامين السياسي و التعليمي: الأول مازال مقصورا على "ديمقراطية" منقوصة و ممسوخة أيضا، و الثاني يعاني من تدهور خطير في جميع المراحل الدراسية!

· كيف تكون الديمقراطية في الكويت منقوصة و ممسوخة مع وجود دستور للبلاد؟
- أولا، الجميع يعلم أن هناك مواد حيوية في الدستور معطلة، منها مواد ولدت مشلولة منذ بداية العمل بالدستور إلى يومنا هذا، و منها مواد تم طمسها لاحقا! ثانيا، البعض يتحدث عن دستور 62 كما لو أنه أمام قانون من قوانين الطبيعة، صالح لحكم أية ظاهرة مهما تغيرت الظروف، لكن التاريخ يقول إن ولادة دستور 62 لم تكن إلا محاولة على استحياء لمشاركة الشعب في حكم البلاد! لاحظ أنها مجرد مشاركة، لا أن يحكم الشعب نفسه بنفسه! ثم هبنا قبلنا بذلك، ما مدى هذه المشاركة؟ هل ينتخب الشعب حكومة تمثله؟ هل تم عزل رئيس وزراء من قبل الشعب طوال التاريخ السياسي للكويت؟ بل هل تقلد شخص واحد من عامة الشعب منصب وزير لوزارة سيادة طوال تاريخنا السياسي؟ الإجابة عن كل ما سبق هي "لا"، و المدافعون عن دستور 62 هم المسؤولون عن ذلك، جزئيا على الأقل، لأن أقصى ما يرجونه هو مجرد تذكرة دخول لقبة البرلمان أو مكالمة هاتفية لاستلام عضوية مجلس الوزراء! نكاد نكون الدولة الوحيدة في العالم التي يكون الطريق للبرلمان فيها عبر أحد ممرين، إما عبر ممر الشعب أو من خلال ممر القصر! و كلا الممرين يحتاجان إلى مهارات فائفة في فنون النفاق و التزلف، بل و المهانة أيضا! و الآن، هل مازلنا بحاجة لترديد شعارت الجيل القديم في الدفاع عن دستور 62؟ متى يتوقف شباب اليوم عن التصفيق للجيل القديم؟!

· أعتقد أنه ليس من الحكمة الهجوم على دستور 62 في هذا الوقت بالذات، ألا تتفق معي في ذلك؟
- لا، لا أتفق معك، فأنا لا أهاجم، بل لست سوى مدافع! لو أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي نشأ فيها دستور الكويت، فمن السهل عندئذ معرفة السبب وراء وجود صنفين فقط على الساحة السياسية: صنف يريد إزالة الدستور، و صنف يريد التقيد الحرفي به!
إن من يطلع على محاضر اجتماعات لجنة دستور 62 بإمكانة الخروج بالانطباعات التالية: أولا، هناك عدم اقتناع منذ البداية بمفهوم الديمقراطية من قبل أطراف رئيسية في الأسرة الحاكمة، و عدم الاقتناع هذا تم توريثه إلى الجيل الجديد من الأسرة، إذ يبدو أن هذا الجيل الجديد من المشيخة بحاجة ملحة إلى دروس تقوية مكثفة لتعلم الديمقراطية و التسامح مع مبادئها! ثانيا، الجو النفسي السائد آنذاك هو جو "العائلة الواحدة"، و قد ورد هذا التعبير أكثر من مرة في محاضر لجنة صياغة الدستور، و هو تعبير يعكس سذاجة العملية الديمقراطية منذ نشأتها، فالمعروف أن ولادة أي دستور تتم على أيد أطراف تختلف في توجهاتها و تتحد في احترامها لهذا الميثاق الجديد الذي تنوي التقيد به، و هو الدستور، أما "العائلة الواحدة" فليست بحاجة إلى دستور بل إلى رب أسرة يدير شؤونها! ثالثا، عند مناقشة موضوع كيفية اختيار ولي عهد للبلاد، علّق الدكتور عثمان خليل عثمان قائلا إنه "من الأحسن أن يصدر (الأمر الأميري) بقانون لأن القانون سيكون له مظهر شعبي ديمقراطي وأثر طيب وخصوصا في خارج الكويت"! من الواضح إذن أن ولادة الديمقرطية في الكويت لم تخل من التركيز على الشكلية و الاهتمام بصورة الأنا عند الآخر! هذه النقاط مجتمعة تقودنا إلى طرح السؤال التالي: أين يكمن الخلل في النظام السياسي، هل يكمن في الممارسة السياسية أم في النموذج السياسي نفسه؟ من الواضح أن الممارسات السياسية الفاشلة ليست إلا انعكاسا لنموذج سياسي لم يكتب له النجاح، فدستور 62 ولد على أيد أناس إما مشككة في قيمته، و إما مهتمة ببريقة الخارجي! إن من يسيئون إلى دستور 62 ليسوا فقط أولئك الذين يريدون طمسه، بل كل من لا يرغب في تجاوزه إلى دستور جديد أكثر تأقلما مع الوضع الراهن و أشد قربا من مفهوم الديمقراطية الحقة!
يتبع،،،

ليست هناك تعليقات: