الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار من بعيد(5)

· ذكرت أن هناك صنفين في الساحة السياسية: صنف يريد إزالة الدستور، و صنف يريد التقيد الحرفي به، لكن ماذا عن "حزب الأمة" مثلا؟
- قدرة حزب الأمة على إثارة تساؤلات عند الآخرين حول ماهيته أكبر من قدرته على تقديم أجوبة تتعلق بالتعريف بمضمون الحزب! السمة الواضحة في هذا الحزب هو أنه يقوم على أساس هش مليء بالتناقضات، فلو نظرت مثلا إلى النشرة التعريفية بهذا الحزب، لوجدت أنه يقدم نفسه بصورة حضارية راقية، متعهدا بضمان جميع أنواع الحريات، ومن ضمنها الحرية الدينية، ومما يثير الانتباه أيضا هو خلو هذه النشرة من أية إشارة إلى الإسلام كشعار إيديولوجي للحزب· لكن لو انتقلت إلى قراءة مبادىء الحزب وأهدافه، فسوف ينتابك شعور بأن النشرة التعريفية بالحزب قد قامت بخداعك! على سبيل المثال، المبدأ الأول للحزب يؤكد على أن "الإسلام دين ودولة"، ومن بين أهم الأهداف الأساسية للحزب هو "استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة"! سبق أن ذكرت أن دستور62 يعتبر نموذجا فاشلا للممارسة السياسية، و نشوء حزب متناقض كحزب الأمة هو انعكاس لهذا الفشل، بل إن صدور ذلك البيان المشترك إبان أزمة الحكم ما هو إلا دليل على المراهقة السياسية التي مازلنا نعيشها في هذا البلد!

· أين يكمن التناقض تحديدا فيما يتعلق بحزب الأمة؟ و لماذا تصف ذلك البيان المشترك على أنه مراهقة سياسية؟
- أولا، دعني أؤكد على أن التناقض لا يقتصر فقط على حزب الأمة، بل يتعداه إلى المنبر الديمقراطي والحركة الدستورية أيضا! مكمن التناقض في حالة المنبر يتعلق بهذا الطيف العجيب من الإيديولوجيات المتناقضة التي يتألف منها، ونوعية البيانات التي يصدرها المنبر مؤشر واضح على حجم التناقض المتأصل فيه منذ بدايات وجوده على الساحة السياسية، أما الحركة الدستورية فشأنها كباقي تيارات الإسلام السياسي، إذ إن فكرة تجاوز دستور 62 بالنسبة لها لا تصب باتجاه المزيد من الحريات، بل إلى عكس ذلك تماما، أي إلى المزيد من تقييد الحريات، و قد حققوا الكثير من المكاسب في هذا الاتجاه الرجعي حتى مع وجود دستور للبلاد! ولادة حزب الأمة تعتبر ولادة طبيعية جدا، فهي قد تمت في بيئة سياسية غير صحية، فالنموذج السياسي المتمثل بدستور62 غير صالح للاستعمال، والممارسة السياسية المتمثلة بالتيارات السياسية قائمة على أساس متناقض، إذن من الطبيعي أن يرث حزب الأمة جينات الرحم السياسي الذي خرج منه! أما المراهقة السياسية فتتمثل بمسارعة هذه التيارات السياسية في إصدار بيان مشترك هو إلى التلميح أقرب منه إلى التصريح، و لعل في هذا البيان المتردد دلالة على أن التيارات السياسية المتواجدة حاليا لم تكن في مستوى المأزق السياسي الذي مر بالبلاد مؤخرا، فمن أجل أن تكون في مستوى الأزمة السياسية التي تواجهها، عليك أولا أن تزيل التناقض الذي ينخر في الجذور التي تقوم عليها! عودا على الشق الأول من سؤالك، كي تكون لحزب الأمة فاعلية مثمرة عليه أن يعمل على إزالة التناقض الذي تتضمنه الأسئلة التالية:
1 - مفهوم الدولة الحديثة يتعارض مع مفهوم "الإسلام دين ودولة"، فهل يدعو حزب الأمة إلى السير في اتجاه معاكس لحركة التاريخ وعقارب الساعة؟
2 - تأكيد الحزب على السعي لتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة يتضمن دعوة صريحة إلى حظر أي تيار سياسي يطالب بتنقيح العملية السياسية من أي استبداد ديني، فكيف باستطاعة حزب الأمة ضمان وجود أحزاب علمانية في ظل سلطة دينية؟ أم أن الحزب سيتلقى دروسا من الجارة إيران في كيفية التحايل على هذا الأمر من خلال تحديد قائمة المرشحين المؤهلين للانضمام للعملية السياسية؟
3 - الحزب يتكفل بضمان جميع أنواع الحريات، ولنفرض أن الحزب تمكن من تشكيل الحكومة التي ستعمل ضمن إطار الشريعة الإسلامية، فهل سيسمح الحزب - مثلا- بتنقيب تراثنا الإسلامي وإخضاعه للنقد العلمي الموضوعي، هل سيسمح بوجود رأي علمي يصر على التعامل مع النص القرآني كنتاج تاريخي، لا سماوي؟!
بإمكانك أن تضيف ماشئت من الأسئلة إلى القائمة أعلاه، لكن عليك أن تتحلى بفضيلة الصبر للحصول على أجوبة مقنعة عنها!

· ما هي ملامح المناخ السياسي الصحي الذي يسمح بالبدء في عملية إصلاح شاملة؟
- هذا حديث يطول، ولتسمح لي بالتطرق إليه في الأسبوع القادم!
يتبع،،،

ليست هناك تعليقات: