الاثنين، 6 يوليو 2009

حلقات الذكر وحلقات الفكر(6)

ذكرنا في المقالين السابقين مثالا لحلقات الفكر، و ينبغي لنا الآن أن نذكر بعض الملاحظات الأولية على الحوار الذي دار بين "ناصر" و "خالد" حول مشروعية تناول لحوم الحيوانات من الناحية الأخلاقية·
أول ملاحظة تتعلق بالمكان الذي دار فيه الحوار، فهو يدور في مطعم، ذلك أن حلقة الفكر لا تشترط وجود مكان ذي صفة مقدسة أما الملاحظة الثانية فنتلمسها في تلك الندية بين المتحاورين، وحتى وإن بدا أحدهما أضعف حجة من الآخر، فإن الفوقية التي تتصف بها الحلقات الدينية معدومة بين المتحاورين في هذا المثال والملاحظة الثالثة تكمن في الاسلوب الذي تعتمده حلقة الفكر، فهي تنهج أسلوب الحجة و الحجة المضادة، على عكس الحلقات الدينية التي تعتمد منهج التلقين الصرف والملاحظة الرابعة لها علاقة بنوعية الأداة المستخدمة لإقناع الطرف الآخر، فالعقل هو أداة حلقة الفكر، و النقل هو أداة حلقة الذكر·
وتبقى هناك ملاحظة أخيرة لا تقل أهمية عما سبقها من ملاحظات، فبينما يؤمن كلا الطرفين في حلقة الفكر بحرية الرأي و التصرف، إذ لا شيء ملزم في نهاية النقاش لأي من الطرفين، نجد في المقابل أن الحلقات الدينية تتضمن فكرة إلزام الطرف الآخر من خلال مفهومي الحلال و الحرام، بالترغيب تارة، وبالترهيب تارة أخرى! أختم هذه الملاحظات بسؤال إلى القارئ: في مثال حلقة الفكر، هل كان من الممكن استمرار النقاش "العقلي" بين المتحاورين لو أن أحدا منهما اتخذ من كلمتي "حلال" و "حرام" حجة لإقناع الطرف الآخر؟!
بهذا المقال تنتهي سلسة "حلقات الذكر و حلقات الفكر"، و إني لأعترف أن السبب الذي دفعني لكتابة هذه المقالات يكمن في هذه الفكرة: "ليس هناك مجتمع أكثر خطورة من ذلك الذي يتبع أفراده منظومة أخلاقية موحدة على الجميع"!

ليست هناك تعليقات: