الاثنين، 6 يوليو 2009

حوار من بعيد(7)

- هل تعتبر دستور62 خطأ تاريخيا؟
- إطلاقا، و إن كان ثم خطأ فهو في الاستراتيجية التي اتبعتها القوى الوطنية في التعامل مع دستور 62، فبدلا من أن يكون هذا الدستور خطوة أولى نحو ديمقراطية فاعلة أصبح غاية في حد ذاته· نشأة دستور62 هي بسبب ظروف موضوعية دامت عقودا من الزمن، لكن الشكل الذي جاء به هذا الدستور اعتمد على عوامل عدة، منها مدى قابلية الأسرة الحاكمة لمشاركة الشعب في الحكم، و حجم المطالبة الشعبية آنذاك بالإصلاح السياسي، و الرؤية البريطانية لمستقبل نظام الحكم في الكويت·
من الواضح أن الأمير الراحل عبدالله السالم كان متعاطفا مع القوى الوطنية حتى قبل استلامه مقاليد الحكم، و من الواضح أيضا أن دستور62 لم يكن ليرى النور لولا وجود مجالس تشريعية سابقة و مطالبة شعبية تاريخية، لكن ما حجم تأثير الرؤية البريطانية لمستقبل الكويت السياسي في صياغة الشكل الذي جاء به دستور 62 ؟ في مذكرات خالد سليمان العدساني هناك إشارة إلى رسالة موجهة من المقيم البريطاني بالخليج إلى حاكم الكويت يقول فيها إن الحكومة البريطانية "لا تستبعد أن تتسرب موجات الديمقراطية إلى أذهان الكويتيين، لذلك فإنها تشير على سموه أن يعمل لإشراك رعاياه و مشاورتهم في إدارة حكم البلاد"! هذه الرسالة تحمل دلالة تاريخية مهمة، فهي توحي بأن مشاركة الشعب بالحكم لم تكن سوى محاولة للحد من "تسرب موجات الديمقراطية إلى أذهان الكويتيين"! لاحظ أن المقيم البريطاني يستعمل كلمة "الديمقراطية" هنا بمفهومها الغربي، أي من خلال معناها الصحيح!
- لكني لا أفهم كيف تكون المشاركة في الحكم عائقا أمام قيام ديمقراطية حقيقية؟
- تكون كذلك عندما تنظر القوى الوطنية لمفهوم المشاركة بالحكم كحد أقصى للمطالبة الشعبية، و عندما يكون دستور62 نصا مقدسا لا يمس، و عندما يتم تشويه مفهوم الديمقراطية من خلال شعارات رنانة و فارغة المضمون، و عندما تكون الأماني متواضعة و ذاتية من خلال مقعد في مجلس الأمة أو عضوية في مجلس الوزراء! إن تاريخنا السياسي بأكمله يقتصر على عمليتي مد و جزر، فتارة هناك مشاركة شعبية و تارة تصادر هذه المشاركة، و من يخطُ خطوة إلى الأمام و أخرى إلى الخلف، يبق في مكانه أبد الدهر!
- لكن هذه دعوة قد تفسر بشكل آخر، هل تفهم ما أعني؟
- لا يهمني كيف تفسر، ما يهمني هو مستقبل أبنائي و أبنائك، و أحفادي و أحفادك! لدى الأسرة الحاكمة ورقة رابحة، و هي ورقة تتمثل بهذا الإجماع التاريخي عليها من قبل أطياف هذا الشعب كافة ، لكن على الأسرة الحاكمة أن تحسن التصرف بهذه الورقة! الدفع باتجاه ديمقراطية حقيقية فيه ضمان استقرار للوطن و الأسرة معا، و الإصرار على التشبث بالسلطة لم يجلب سوى الخراب لكثير من الشعوب! مازلنا ندور في فلك دستور 62، و مازلنا ننتظر قدوم من بيده أن يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الأمير الراحل عبدالله السالم، لكن، و ما أقسى "لكن" هذه، في ظل قوى وطنية مازالت أولوياتها تنحصر في مواضيع كموضوع الدوائر (مع الاعتراف بأهمية هذا الموضوع)، و في ظل وجود شيوخ مازالوا يتصورون أن الخطأ التاريخي للأمير الراحل عبدالله السالم هو اعتماده لدستور 62، أقول في ظل كل ذلك لا يبدو ما تخبئه لنا الأيام مشرقا!
يتبع،،،

ليست هناك تعليقات: