الأربعاء، 8 يوليو 2009

آفة الطاعة و أنواعها


العقلية المحافظة تحرص على أن تجعل فكرة الاختلاف في الرأي مرادفة لفكرة عدم الاحترام، على الرغم من عدم وجود رابط منطقي بين الفكرتين!
الطاعة، هي إخضاع إرادة «س» لإرادة «ص»، حيث «س» و «ص» تنتميان إلى مجموعة الأعداد البشرية. هذا التعريف شبه الرياضي يتيح لنا التعرف على أربعة أنواع للطاعة حسب قيمة كل من «س» و «ص»، و هذا المقال هو محاولة لتسليط الضوء على كل نوع على حدة.
أولاً، س = 1 ، ص = 1 : هذه طاعة يتم من خلالها إخضاع إرادة فرد لإرادة فرد آخر، ولعل أبرز مثال لهذا النوع هو طاعة الابن لأبيه، أو طاعة الصغير للكبير بشكل عام. لو سألت شخصاً: لماذا قرر الزواج نزولاً على رغبة أبيه، لا رغبته هو، فأغلب الظن أن يأتيك الجواب ع
لى النحو التالي: «لم تكن طاعتي إيّاه من قبيل الخوف، بل من فرط الاحترام»! هذه جملة يكثر استعمالها في المجتمعات المحافظة، وتأتي عادة كتبرير لفعل ينافي إرادة الفاعل، والشخص الذي يلجأ إلى هذه الحجة يفوته أمر مهم، وهو أن كلا الخوف والاحترام، يؤدي إلى النتيجة ذاتها: الطاعة! العقلية المحافظة تحرص على أن تجعل فكرة الاختلاف في الرأي مرادفة لفكرة عدم الاحترام، على الرغم من عدم وجود رابط منطقي بين الفكرتين! منطقيا، الرأي الأخير حول أي موضوع يجب أن يكون للطرف الذي يمسه الموضوع بشكل مباشر، لكن العقلية المحافظة لا تهتم إلا في معرفة أي الطرفين أكبر سنا!
ثانياً، س = 1 ، ص > 1 : هذه طاعة يتم بواسطتها إخضاع إرادة الفرد لإرادة الجماعة، و نجاح الفكر المحافظ مرهون بوجود هذا النوع من الطاعة. العامل الأساسي هنا هو خوف الفرد من أفواه الناس، و هو خوف يؤدي إلى طاعة تضمن تناغم سلوك الفرد مع سلوك الجماعة، رغما عن أنف الفرد ونزولا عند رغبة الجماعة! جرت العادة أن يدرج هذا النوع من الطاعة تحت بند احترام العادات و التقاليد و ثوابت الأمة، لكنه في حقيقة الأمر ليس سوى انصياع مذل لدكتاتورية الأغلبية!
ثالثاً، س > 1 ، ص = 1 : الطاعة في هذه الحالة تتعلق بإخضاع إرادة الجماعة لإرادة فرد واحد، ولعل الشعوب العربية في وقتنا الراهن، هي أكثر الشعوب خبرة بمضمون هذا النوع من الطاعة! المصادر التي يعتمد عليها الدكتاتور العربي لضمان نجاحه في التشبث بالسلطة كثيرة ومتنوعة، لكن فكرة الدين القائمة على إخضاع إرادة المجموع لإرادة الواحد هي بمثابة الإطار الفكري الذي يستمد منه الدكتاتور شرعيته!
رابعاً، س > 1 ، ص > 1 : هذه طاعة ناتجة عن إخضاع إرادة جماعة لإرادة جماعة أخرى، وتاريخ الحروب بين الشعوب والأمم حافل بمظاهر هذا النوع من الطاعة، وهي طاعة تعتمد أسلوب العنف بكل أشكاله، لذا فهي أكثر بدائية من الأنواع السابقة، لكنها مازالت حاضرة بقوة في عصرنا الراهن من خلال مسميات جذابة مثل «الحرب من أجل الإنسانية»، وهي حرب لا تخلو من مفارقة غريبة، فنحن نثني كثيرا على الجندي الذي دفع حياته ثمناً للإنسانية، لكننا نغض الطرف عن عدد الأرواح التي زهقت على يد هذا الجندي قبل أن يلقى حتفه!
أعتقد، وقد أكون مخطئا، أن الأنواع الثلاثة الأخيرة من الطاعة لم تكن لتنجح لولا وجود النوع الأول، ذلك أن كل أنواع العبودية تتضمن فكرة تنازل الفرد عن إرادته، إما خوفا أو احتراما، ولكن قسرا في كلتا الحالتين! الطاعة بكل أنواعها آفة، عدا في حالة واحدة فقط، وهي حالة يتم من خلالها اعتماد اسلوب الإقناع المنطقي للتأثير على إرادة الفرد، فالطاعة الناتجة عن الإذعان لصوت العقل ليست سوى دليل على حكمة الفرد! الحجة المنطقية ليست دائما في مصلحة الأب المتسلط، أو المجتمع المحافظ، أو الدكتاتور المتغطرس، أو الأمة العدوانية، لذا نجد أن اللجوء إلى غريزة الخوف أو فضيلة الاحترام، هو المخرج الوحيد للتحايل على صوت العقل وضمان الطاعة والخنوع!
الطاعة مغروسة في قلب الإنسان العربي، وموضوع خطبة صلاة عيد الأضحى الذي يتكرر في كل سنة يساهم إلى حد كبير في تكريس «فضيلة» الطاعة!

ليست هناك تعليقات: